والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرنا بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم حَذْوَ القُذَّةِ بالقذةِ، حَتى لَوْ دَخَلُوا جُحرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوه" قَالوا: يَا رَسُولَ الله: الْيَهُود وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ ".
وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
إذا عُرِف هذا، فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الشرك بالله والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات.
وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة، التي لا تصلح إلا لله، وصرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها، لأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أغنى الأغنياء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: ٢ - ٣].
فأخبر -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصًا لوجهه. وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين، ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار.