للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: ((إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)) (١). وفي حديث أبي هريرة: ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) (٢).

وهذه الأحاديث فيها حجة على أن الإمام إذا عجز عن القيام صلى جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له، أما صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً في مرضه والناس قياماً فهذا يدل على الجواز، ولكن الأفضل إذا صلى الإمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً (٣).


(١) مسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم ٤١٣.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم ٧٢٢، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم ٤١٤.
(٣) اختلف العلماء في الجلوس خلف الإمام المعتل الذي لا يقدر على القيام. فقال قوم: يجب أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً، وقال بعضهم: لا تصح صلاة القائم خلف القاعد لا قائماً ولا قاعداً. وقال آخرون: تصح صلاة القائم خلف القاعد، ولا يتابعه في القعود؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - صلوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته قياماً فكان ذلك ناسخاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقعود؛ فإن ذلك كان في صلاته حين جحش وانفكت قدمه فكان هذا آخر الأمرين، وقيل: الأمر بالجلوس للاستحباب، وقيل: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه، فإنهم يصلون خلفه قعوداً، وإذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً. انظر: فتح الباري لابن حجر، ٢/ ١٧٥ - ١٧٦،والمغني لابن قدامة،٣/ ٦٠ - ٦٥،وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ٨٠ - ٨٣، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٠٨ - ٤١١.
وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((قوله وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً .. )) هذا فيه حجة على أن الإمام إذا اعتل فلا بأس أن يصلي قاعداً والناس قعوداً متابعة له، وصرف هذا الأمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -، فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً يقتدون بأبي بكر مبلغاً، وهذا يدل على جواز قيام المأمومين، فالراجح أن الصلاة مع الإمام القاعد قعوداً أفضل، وإذا صلوا خلفه قياماً جاز، وقيل: هذا ناسخ للجلوس، والصواب أنه ليس بناسخ؛ لأن القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن، والجمع ممكن، وهو أن الجلوس أفضل متابعة للإمام، وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر حياته فلا بأس، وقيل: إن شرع الإمام قائماً ثم اعتل أتموا قياماً، وإن شرع جالساً صلوا جلوساً)). سمعته منه - رحمه الله - أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٤٢٩.

<<  <   >  >>