للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله - عز وجل -: ((قُلْ)) أمرٌ: أي أمرك أن تقول ...

قوله - عز وجل -: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}: الاستعاذة هي: الالتجاء، والاعتصام، والاستجارة بالله سبحانه، أي: ألجأ، وأعتصم، وأستجير، والفلق الصبح، وذلك: {مِن شَرِّ مَا خَلَق} أي من شر جميع المخلوقات، والشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين:

إمّا ذنوب وقعت منه يعاقب عليها، فيكون وقوع ذلك الشر: بفعله، وقصده، وسعيه، فيكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرين، وأدومهما وأشدهما اتصالاً بصاحبه.

وإمَّا شر واقع به من غيره، وذلك الغير إما مكلَّف كالإنسان والجني، أو غير مكلَّف كالهوام، وذوات السموم، وغيرها: فتضمنت هذه الاستعاذة في هذه السورة الاستعاذة من الشرور كُلِّها بأوجز لفظ وأجمعه، وأدلّه على المراد، وأعمّه استعاذةً، بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه.

والقسم الأول هو أعظم الشرين، وأدومهما، وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته، فإن الله إذا أنعم على عبده بنعمة حفظها عليه، ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها، في نفسه: قال الله - عز وجل -: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (١)، فما حُفِظَتْ نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شُكْره، قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد} (٢)، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه؛ فإنها - أي


(١) سورة الرعد، الآية: ١١.
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ٧.

<<  <   >  >>