عمن ظلمك، فهل يكون أحنى على الخلق ممن يأمرهم بمثل هذا، وإنما تطلبت الملحدة بمثل هذا الأعتراض القدح في النبرّات فإنهم لم يعفوا نبيا من القدح في معجزاته والطعن على سيرته حتى قال منهم في عصرنا ما طعن به على موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم عليهم بشعر نظمه فقال:
وفالق البحر لم يفلق جوانبه ... إذ ضاع فيه ضياع الحر في السفل
ومدع يدعي الأشياء خلقته ... ما باله زال والأشياء لم تزل
وآخر يدعي بالسيف حجته ... هل حجة السيف إلّا حجة البطل
فحضرني حين وردت هذه الأبيات إلى بعض أهل العلم فأجاب عنها فقال:
قل للذي جاء بالتكذيب للرسل ... ورد معجزهم بالزيغ والدغل
وقال في ذاك أبياتا مزخرفة ... ليوقع الناس في شك من الملل
ضياع موسى دليل من أدلته ... من بعد ما صار فرق البحر كالجبل
ليعلم الناس أن الله فالقه ... وأن موسى ضعيف تاه في السبل
والمعجز الحق في فلق المياه له ... وجعله البر ما يحتاط بالحيل
وابن البتول فإن الله نزهه ... عما ذكرت من الدعوى على الجمل
ما كان منه سوى طير يقدره ... طينا وربي أحياه ولم يزل
وقال إني بإذن الله فاعله ... وإذن ربي يحيي الخلق لا عملي
وصاحب السيف كان السيف حجته ... بعد البيان عن الإعجاز والمثل
وجاء مبتديا بالنصح مجتهدا ... بمعجزات لها حارت أولو النحل
منها كتاب مبين نظمه عجب ... فيه من الغيب ما أوحى إلى الرسل
فأفحم الشعراء الملفقين به ... لما تحداهم بالرفق في مهل
وأنبع الماء عذبا من أنامله ... من غير صخرة كانت ولا وشل
وشارف القوم وافاداه وكلمه ... وقال أنى من قتلي على وجل
والذئب قد أخبر الراعي بمبعثه ... فجاء يشهد في الإسلام في عجل
والجذع حن إليه حين فارقه ... حنين ذات جؤار ساعة الهبل
وأخبر الناس عما في ضمائرهم ... مفصلا بجواب غير محتمل