والصنف الثاني: براهمة موحدة «١» يقولون بحدوث العالم ويجحدون بعثة الرسل ويبطلون النبوات وهم المنسوبون إلى بهر من صاحب مقالتهم وشذ فريق منهم فادعى أنه آدم أبو البشر ومنهم من قال هو إبراهيم ومن قال من هذه الفرقة الشاذة منهم أنه أحد هذين أقر بنبوتهما وأنكر نبوّة من سواهما وجمهورهم على خلاف هذه المقالة في اعتزائهم لصاحب مقالتهم وإنكار جميع النبوّات عموما.
والصنف الثالث: فلاسفة لا يتظاهرون بإبطال النبوّات في الظاهر وهم مبطلوها في تحقيق قولهم، لأنهم يقولون أن العلوم الربانية بعد كمال العلوم الرياضية من الفلسفة والهندسة ليضعها من كملت رياضته إذا كان عليها مطبوعا.
[إختلاف منكر والنبوة وبطلان حججهم]
واختلف من أبطل النبوّات في علة إبطالها فذهب بعضهم إلى أن العلة في إبطالها أن الله تعالى قد أغنى عنها بما دلت عليه العقول من لوازم ما تأتي به الرسل وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه لا يمنع ما دلت عليه العقول جواز أن تأتي به الرسل وجوبا ولو كان العقل موجبا لما امتنع أن تأتي به الرسل وجوبا، ولو كان العقل موجبا، لما امتنع أن تأتي به الرسل تأكيدا كما تترادف دلائل العقول على التوحيد، ولا يمنع وجود بعضها من وجود غيرها.
والثاني: أنه لا تستغني قضايا العقول عن بعثة الرسل من وجهين:
أحدهما: أن قضايا العقول قد تختلف فيما تكافأت فيه أدلتها فانحسم ببعثة الرسل اختلافها.
والثاني: أنه لا مدخل للعقول فيما تأتي به الرسل من الوعد والوعيد والجنة والنار وما يشرعونه من أوصاف التعبد الباعث على التأله فلم يغن عن
(١) ومنهم من يقول بأن إدراك وحدانية الله تدرك بالعقل وجحدوا النبوات وادعوا أن العبادة إنما تكون بالقلب لا بالأفعال.