للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في برهة من زمانه لم يستوف تطاول الاستيعاب حتى أوجز وأنجز وما ذاك إلّا بديع ومعجزهم.

[جهاده صلى الله عليه وسلم]

الخصلة السادسة: انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته، وهو في قطب مهجور وعدد محقور فزاد به من قل وعز به من ذل وصار بأثخانه في الأعداء محذورا وبالرعب منه منصورا فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر والجمع بينهما معوز إلّا لمن أمده الله بمعونته وأيده بلطفه والمعوز معجز.

[شجاعته صلى الله عليه وسلم]

الخصلة السابعة: ما خص به من الشجاعة في حروبه والنجدة في مصابرة عدوه فإنه لم يشهد حربا في فزاع إلّا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هربا ولا جاز فيه لاغبا بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولى عنه أصحابه يوم حنين حتى بقي بإزاء جمع كثير وجم غفير في تسعة من بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إليّ عباد الله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فعادوا أشذاذا وإرسالا «٢٣» وهوازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره، وقد عضده الله تعالى بانجاد وأنجاد فانحازوا وصبر حتى أمده الله بنصره وما لهذه الشجاعة من عديل، ولقد طرق المدينة فزع فانطلق الناس نحو الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه فتلقوه عائدا على فرس عري لأبي طلحة الأنصاري وعليه السيف فجعل يقول: «أيها الناس لم تراعوا بل تراعوا» ، ثم قال لأبي طلحة: «إنا وجدناه بحرا» ، وكان الفرس يبطىء فما سبقه فرس بعد ذلك، وما ذاك إلّا عن ثقة من أن الله تعالى سينصره، وإن دينه سيظهره تحقيقا لقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ*


(٢٣) عادوا أشذاذا وأرسالا: فروا زرافات ووحدانا.

<<  <   >  >>