وفحوى الكلام ما دل على ما هو أقوى من نطقه ولحن القول ما دل على مثل نطقه ومفهوم اللفظ مأخوذ من معنى نطقه فهذه الأربعة مفهومة المعاني بألفاظها مستقلة بذواتها معلومة المراد بظواهرها فلا احتياج بعد البلاغ إلى بيان.
وأما المبهم فثلاثة: المجمل والمحتمل والمشتبه، فأما المجمل فما أخذ بيانه من غيره ولا يدخل العقل في تفسيره فلا يعلم إلّا بسمع وتوقيف. وأما المحتمل فهو ما تردد بين معان مختلفة، فإن أمكن الجمع بين جميعها حمل على جميع ما تضمنه واستغنى عن البيان إلّا أن يرد بالاقتصار على بعضها بيان وإن لم يكن حملها على الجميع لتنافيها، وكان المقصود أحد معانيها فإن أمكن الاستدلال عليه بمخرج الخطاب أو بمشاهدة الحال كان فيه بيان أو تعذر بيانه من هذا الوجه حمل على عرف الشرع، فإن تعذر حمل على عرف الاستعمال، فإن تعذر حمل على عرف اللغة، فإن تعذر فبيانه موقوف على التوقيف، وأما المشتبه فما أشكل لفظه واستبهم معناه.
روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: يا رسول الله! إنك تأتينا بكلام لا نعرفه ونحن العرب حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربي علمني فتعلمت وأدبني فتأدبت» . فإن تلوح في المشتبه إشارة إلى معناه جاز أن يكون استنباطه موقوفا على الاجتهاد وإن تجرد عن إشارة كان موقوفا على التوقيف وعلى الرسول تبليغ بيانه كما كان عليه تبليغ أصله وعلى من سمعه من الرسول أن يبلغه من لم يسمعه حتى ينتقل إلى عصر بعد عصر على الأبد فيعلمه القرن الثاني من الأول والثالث من الثاني وكذلك أبدا لتدوم الحجة بهم إلى قيام الساعة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليبلغ الشاهد الغائب» .
[النبي والرسول]
فأما الفرق بين الأنبياء والرسل فقد جاء بهما القرآن جمعا ومفصلا بقول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ «١١» واختلف أهل العلم