للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يظهرها من كذب عليه ويكون المعجز دليلا على صدقه وصدقه دليلا على صحة نبوّته.

والشرط الثالث: أن يقرن بالمعجز دعوى النبوّة، فإن لم يقترن بالمعجزة دعوى لم يصر بظهور المعجزة نبيا لأن المعجز يدل على صدق الدعوى، فكان صفة لها فلم يجز أن نثبت الصفة قبل وجود الموصوف، فإن تقدم ظهور المعجز على دعوى النبوة كان تأسيسا للنبوّة ككلام عيسى عليه السلام في المهد تأسيسا لنبوّته، فاحتاج مع دعوى النبوّة إلى إحداث معجزة يقترن بها ليدل على صدقه فيها وإن تقدمت دعوى النبوّة على المعجز اكتفى بحدوث المعجز بعدها عن إقترانه بها لأن اصطحابه للدعوى مقترن بالمعجز «٦» ، فإن ظهر المعجز المقترن بالدعوى لبعض الناس دون جميعهم نظر، فإن كانوا عددا يتواتر بهم الخبر ويستفيض فيهم الأثر كان الغائب عنه محجوبا بالمشاهد له في لزوم الإجابة والانقياد للطاعة كما يكون العصر الثاني محجوبا بالعصر الأول وإن كان المشاهد للمعجز عددا لا يستفيض بهم الخبر ولا يتواتر بهم الأثر لإمكان تواطئهم على الكذب ويتوجه إلى مثلهم الخطأ والزلل كان المعجز حجة عليهم ولم يكن حجة على غيرهم حتى يشاهدوا على المعجز ما يكونوا محجوبين به وسواء كان من الجنس الأول أو من غير جنسه، فإن قصر من شاهد الأول عن عدد التواتر وقصر من شاهد الثاني عن عدد التواتر لم يثبت حكم التواتر فيهما ولا في واحد منهما لجواز الكذب على كل واحد من العددين.

[حجج الأنبياء]

وإذا كان حجج الأنبياء على أممهم هو المعجز الدال على صدقهم، فالمعجز ما خرق عادة البشر من خصال لا تستطاع إلّا بقدرة إلهية تدل على أن الله تعالى خصه بها تصديقا على اختصاصه برسالته، فيصير دليلا على صدقه في إدعاء نبوته إذا وصل ذلك منه في زمان التكليف، وأما عند قيام الساعة إذا سقطت فيه أحوال التكليف فقد يظهر فيه من أشراطها ما يخرق العادة فلا يكون


(٦) المعجز: الخارق للعادة والمتجاوز لقدرة الإنسان البشرية.

<<  <   >  >>