للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان في الناس موهوما وعند أهل الكتب معلوما ليكون ابتكار البديهة بها مانعا من التصنع لها فلا ينسب إلى اختراعها ولو تصنع واخترع لظهرت أسبابهما وتمت شواهدهما ولم يخف على من عاداه أن يتداوله وعلى من والاه أن يتأوله، وحسبك بهذا وضوحا أن يكون بعيدا من التهمة بهما سليما من الظنة فيهما فلم يزل صلى الله عليه وسلم على خلوته إلى أن أظهر الله تعالى له أمارات نبوته فأيقظه بها بعد الغفلة وبشره بها بعد المهلة، ثم بعثه بها رسولا بعد البشرى على تدريج ترتبت فيها أحواله ليتوطأ لتحمل أثقالها، ويعلم لوازم حقوقها حتى لا تفاجئه بغتة فيذهل ولا يخفى عليه حقوقها فينكل، وكان ذلك من الله لطفا به وإنعاما عليه وداعيا لأمته في الانقياد إليه فسبحانه من لطيف بعباده منعم على خلقه.

[أحواله صلى الله عليه وسلم]

تدرجت إليه أحواله في النبوة حتى علم أنه نبي مبعوث ورسول مبلغ ترتب تدرجه على ستة أحوال نقل فيهن إلى منزلة بعد منزلة حتى بلغ غايتها.

[الرؤيا الصادقة]

فالمنزلة الأولى: الرؤيا الصادقة في منامه بما سيؤول إليه أمره فكان ذلك إذكارا بها ليروض لها نفسه ويختبر فيها حواسه فيقوم بها إذا بعث وهو عليها قوي وبها ملي «٤» .

روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: أول ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فلق الصبح حتى فاجأه الحق، واختلف في هذه الرؤيا هل كانت قبل انقطاعه إلى الخلوة بحراء.

فحكى عروة عن عائشة أنه حبب إليه الخلاء بعد الرؤيا.

وذهب قوم إلى أن الرؤيا جاءته بعد خلوته لأنه خلا على غفلة من أمره.

وقد روت برة بنت أبي تحراه أن الله تعالى لما أراد كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم


(٤) ملي بها: كفؤلها.

<<  <   >  >>