للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو جاهلية، ثم جاءوا بطست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة فملىء بطنه وجوفه إيمانا وحكمة وهو يوافق لحديث أبي ذر في المعنى وإن خالفه في الصفة فتوارد في الرواية وهو إنذار بالنبوّة.

[البشرى بالنبوة]

والمنزلة الثالثة: البشرى بالنبوة من ملك أخبره بها عن ربه واختصت بشراه بالأشعار وتجردت عن تكليف وإنذار لم يسمع بها وحيا ولا رأى معها شخصا، وإنما كان إحساسا بالملك اقترن بآية دلت وأمارة ظهرت اكتفى بها عن مشاهدته واستغنى بها عن نطقه ليعلم أنه من أنبياء الله تعالى فيتأهب لوحيه ويعان بإمهاله فيكون على البلوى أصبر وللنعمة أشكر روى الشعبي وداود بن عامر أن الله تعالى قرن إسرافيل بنبوّة رسوله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه ويعلمه الشيء بعد الشيء ولا ينزل عليه بالقرآن فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة وغير مبعوث إلى الأمة فاحتمل أن يكون إمهاله فيها معونة للرسول واحتمل أن يكون نظرا للأمة وأحتمل أن يكون لأوان المصلحة وليس يمتنع أن يكون لجميعها فإنه أعلم بسر ما أخفى وأعرف بمعنى ما أظهر.

والمنزلة الرابعة: أن نزل عليه جبريل لوحي ربه حتى رأى شخصه وسمع مناجاته فأخبره أنه نبي الله ورسوله واقتصر به على الأخبار ولم يأمره بالإنذار ليعلمها بعد البشرى عيانا ويقطع بها يقينا فيكون معتقده بها أوثق وعلمه بها أصدق فلا يعترضه وهم ولا يخالجه ريب.

روى الزهري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فاجأه الحق أتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد أنت رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجثوت لركبتي وأنا قائم ثم رجعت ترجف بوادري ثم دخلت على خديجة فقلت زملوني زملوني حتى ذهب عني ثم أتاني فقال يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله، ثم قال إقرأ، قلت: ما أقرأ؟ قال: فأخذني فغتني «٨» ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد وقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «٩» فأتيت


(٨) غتني: ضمني بشدة.
(٩) سورة العلق الآية (١) .

<<  <   >  >>