خديجة فقلت: لقد أشفقت على نفسي فأخبرتها خبري، فقالت: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتحمل الكلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل وكان ابن عمها وخرج في طلب الدين وقيل قرأ التوراة والإنجيل وتنصر وقالت إسمع من ابن أخيك فسألني فأخبرته خبري فقال: هذا الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام يعني جبريل عليه السلام ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قلت أو مخرجي هم قال نعم إنه لم يجىء رجل قط بما جئت به إلّا عودي ولئن يدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا، ثم كان ما نزل عليّ من القرآن بعد إقرأ: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ «١٠» ، ونزل عليه ذلك ليزداد ثباتا ولنفسه استبصارا ولنعمة ربه شكرا.
وروى أن خديجة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا إذا أتاك يعني جبريل عليه السلام قال نعم قالت فأخبرني به إذا جاءك فجاءه جبريل فقال لها:«يا خديجة هذا جبريل قد جاء» ، قالت: قم فاجلس على فخذي اليسرى فجلس عليها فقالت هل تراه، قال:«نعم» ، قالت فتحوّل على فخذي اليمنى فتحوّل إليها فقالت: هل تراه قال: نعم، قالت فتحوّل في حجري فتحوّل في حجرها قالت: هل تراه قال: «نعم» ، قال: فحسرت وألقت خمارها وهو جالس في حجرها فقالت: هل تراه، قال:«لا» ، قالت: يا ابن عمي أثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هو بشيطان وآمنت به فكانت أول من أسلم من جميع الناس واستظهرت خديجة بما فعلته من هذا في حق نفسها لا في حق الرسول ولا استظهارا عليه واكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصديق جبريل بما عاينته خديجة من آياته المعجزة وكان ما نزل به جبريل في هذا الحال مقصورا على إخباره بالنبوّة ليعلم أن الله تعالى قد اصطفاه لها فينقطع إليه ويوقف نفسه على ما يؤمر به وينزل عليه فيكون لأوامره متبعا ولما يراد به متوقعا وأذن له في ذكره وإن لم يؤذن له في إنذاره لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ