نصيب من سداد وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فشر السير الحقحقة وأن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» .
[أمره بالاعتدال صلى الله عليه وسلم]
والخصلة الرابعة: أنه لم يمل بأصحابه إلى الدنيا، كما رغبت اليهود ولا إلى رفضها كما ترهبت النصارى وأمرهم فيها بالاعتدال أن يطلبوا منها قدر الكفاية ويعدلوا عن احتجان واستزداة وقال لأصحابه:«خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» ، وهذا صحيح لأن الانقطاع إلى أحدهما اختلال والجمع بينهما اعتدال.
وقال صلى الله عليه وسلم:«نعم المطية الدنيا فارتحلوها، تبلغكم الآخرة» ، وإنما كان كذلك لأن منها يتزود لآخرته ويستكثر فيها من طاعته ولأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما مضاعا أو محروما مراعى وهو في الأول كل وفي الثاني مستذل (أثني على رجل بخير) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله كنا إذا ركبنا لا يزال يذكر الله تعالى حتى ننزل وإذا نزلنا لا يزال يصلي حتى نرفع فقال فمن كان يكفيه علف بعيره وإصلاح طعامه، قالوا: كلنا، قال:«فكلكم خير منه» .
[إيضاحه صلى الله عليه وسلم العبادات]
والخصلة الخامسة: تصديه لمعالم الدين ونوازل الأحكام حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات وبين لهم ما يحل ويحرم من مباحات ومحظورات وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات حتى احتاج اليهود في كثير من معاملاتهم. ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره، ثم مهد لشرعه أصولا تدل على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الاحكام المعللة فأغنى عن نص بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله، ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره، فقال صلى الله عليه وسلم:«بلغوا عني ولا تكذبوا عليّ فرب مبلّغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» فأحكم ما شرع من نص وتنبيه وعم بما أمر من حاضر وبعيد حتى صار لما تحمله من الشرع مؤديا، ولما تقلده من حقوق الأمة موفيا لئلا يكون في حقوق الله زلل ولا في مصالح الأمة خلل وذلك