فسقطت منه أربع عشرة شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغارت بحيرة ساوة فأفزع ذلك كسرى فلبس تاجه وقعد على سريره وجمع وزراءه ومرازبته وأخبرهم برؤياه فقال الموبذان وأنا أصلح الله تعالى الملك قد رأيت في هذه الليلة إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادنا، فقال: أي شيء هذا يا موبذان؟ فقال: حادثة تكون من ناحية العرب فكتب إلى النعمان بن المنذر أن ابعث إليّ برجل عالم أسأله عما أريد، فوجه إليه عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني، فلما قدم عليه أخبره، فقال: أيها الملك علم ذلك عند خال لي يسكن مشارق الشام يقال له سطيح، قال: فأته فاسأله عما أخبرتك به ثم آتي بجوابه، فركب عبد المسيح راحلته حتى ورد على سطيح وقد أشفى على الموت ووضع على شفير قبره فسلم وحيّاه فلم يخبر سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... يا فاضل الخطة أعيت من ومن
أتاك شيخ الحي من آل سنن ... وأمه من آل ذئب بن حجن
أبيض فضفاض الردى خجر البدن ... رسول قيل العجم يسري للوسن
فرفع سطيح رأسه وقال عبد المسيح على جمل مشيح وافى إلى سطيح وقد أوفى به إلى الضريح بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ثم قال: يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وبعث من تهامة صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملك وملكات بعدد الشرفات وكل ما هو آت، ثم قضى سطيح فسار عبد المسيح على راحلته وهو يقول:
شمّر فإنك ماضي الهم شمير ... ولا يغرنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير