ثم أفضت رئاسة قريش بعد قصي إلى ابنه عبد مناف بن قصي فجاد وزاد وساد حتى قال فيه الشاعر:
كانت قريش بيضة فتفقأت ... فالمح خصاله لعبد مناف
وكان اسمه المغيرة فدفعته أمه إلى مناف وكان أعظم أصنام مكة تعظيما له فغلب عليه عبد مناف وكان يسمى القمر لجماله فاستحكمت رياسته بعد أبيه لجوده وسياسته ثم ببنيه فولد له هاشم وعبد شمس توأمان في بطن فقيل أنه ابتدأ خروج أحدهما وأصبعه ملصقة بجبهة الآخر فلما أزيلت دمى موضعها فقيل: يكون بينهما دم، ثم ولد بعدهما نوفل، ثم المطلب. وكان أصغرهم فساروا وتقدمهم هاشم لسخائه وسؤدده، وكان اسمه عمرا، فسمي هاشما لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة في سنة لزبة قحطة رحل فيها إلى فلسطين فاشترى منها الدقيق وقدم به إلى مكة ونحر الجزر وجعلها ثريدا عمّ به أهل مكة حتى استقلوا، فقال فيه الشاعر:
يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا نزلت بال عبد مناف
الآخذون العهد من آفاقها ... الراحلون لرحلة الإيلاف
والرايشون وليس يوجد رايش ... والقائلون هلم للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وهاشم أول من سن الرحلتين لقريش: رحلة الشتاء ورحلة الصيف، وأراد أمية بن عبد شمس أن يتشبه بهاشم في صنيعه فعجز عنه فشمت به ناس كثير من قريش، فقال فيه وهب بن عبد قصي:
تحمل هاشم ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به بريض
أتاهم بالغرائر مثقلات ... من الشام بالبر البغيض
فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب اللحم باللحم الغريض