وقال آخرون منهم: إنما صاروا أنبياء لأن لله تعالى في العالم خواص وأسرارا تخالف مجرى الطبائع، فمن أظفره الله تعالى بها من خلقه استحق بها النبوّة، وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: خفاؤها فيه غير دليل على صدقه.
والثاني: أنه يكون نبيا عن نفسه لا عن ربه فصار كغيره.
وقال آخرون: بل صاروا أنبياء لأن الله تعالى خصهم من كمال العقول بما يتوصلون به إلى حقائق الأمور، فلا يشتبه عليهم منها ما يشتهيه على غيرهم فصاروا أنبياء عن عقولهم لا عن ربهم، وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن هذا يقتضي فضل العلم في حقه ولا يقتضيه في حق غيره.
والثاني: أنه إن أخبر عن نفسه لم يكن رسولا، وإن أخبر عن ربه كان كاذبا.
وقال آخرون: إنما صاروا أنبياء لأن النور فيهم صفا ونما بالنور الأعظم الإلهي الذي تخلص به الإفهام وتصح به الأوهام حتى ينتقلوا إلى الطباع الروحانية ويزول عنهم كدر الطباع البشرية فيخرجوا عن شبح الكائنات بصفاء نورهم وخلاصهم، وهذا قول الثنوية وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنهم دفعوا أسهل الأمرين من بعثة الرسل بأغلظهما من إعطاء نوره وأولى أن يدفعوا عن الأغلظ بما دفعوا به عن الأسهل.
والثاني: أنهم أثبتوا به ممازجة الباري سبحانه فيما اختص بذاته، ومخالفة الذات تمنع من ممازجته.
والجواب عما قالوه من امتناع المخاطبة الجسمانية عمن ليس بجسم من وجهين:
أحدهما: أنه لا يمتنع أن يظهر منه كخطاب الأجسام وإن لم يكن جسما كما يظهر منه كأفعال الأجسام وإن لم يكن جسما.
والثاني: أن الله تعالى يجوز أن يودع خطابه في الأسماع حتى تعيه الآذان