للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علمهم به الاستدلال ثم يصير بعد نزول الملائكة بمعجزاتهم الباهرة علم الاضطرار وعلى الملائكة إذا نزلوا بالوحي على الرسول إظهار معجزتهم له كما يلزم الرسول إظهار معجزته لأمته.

روي أن جبريل عليه السلام لما تصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في الوادي قال له: قل يا محمد للشجرة أقبلي! فقال لها ذلك فأقبلت، وقال له: قل لها أدبري! فقال لها ذلك فأدبرت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي يعني في العلم بصدقك فيما أتيتني به عن ربي، فتستدل الرسل بالمعجزات على تصديق الملائكة بالوحي وتستدل الأمم بمعجزات الأنبياء على تصديقهم بالرسالة، ويكون خطاب الملك لفظا إن كان قرآنا أو ما قام مقام اللفظ إن كان وحيا ولا يجوز أن يؤدي الملك إلى الرسول ما تحمله عن ربه إلّا بلسان الرسول «٨» ، كما لا يؤدي الرسول إلى قومه إلّا بلسانهم ويكون الملك واسطة بين الرسول وبين ربه، والرسول واسطة بين الملك وبين قومه وما يؤديه الملك إلى الرسول ليؤديه الرسول إلى قومه ضربان: قرآن ووحي، فأما القرآن فيلزم الملك أن يؤديه إلى الرسول بصيغة لفظه، وليس للملك ولا للرسول أن يعدل بلفظه إلى غيره ويكون ما تضمنه من الخطاب المنزل متوجها إلى الرسول وإلى أمته.

وأما الوحي إذا تضمن تكليفا بأمر أو نهي فضربان:

أحدهما: أن يكون نصا غير محتمل وصريحا غير متأول فهذا يعلمه الرسول من الملك بنفس الخطاب وتعلمه الأمة من الرسول بالبلاغ من غير نظر ولا استدلال، وليس للملك ولا للرسول أن يعدل بالنص إلى إجمال أو احتمال له.

والضرب الثاني: أن يكون من المجمل أو المحتمل لمعان مختلفة فهذا يعلم المراد به من دليل يقترن بالخطاب ودليله ضربان:

أحدهما: عقل المستمع.

والثاني: توقيف المبلغ فأما ما عقل دليله ببديهة العقل فمحمول على


(٨) كي يفهمه الرسول ويعقله ويقدر على إيصاله إلى قومه.

<<  <   >  >>