للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه قد هجا قومًا فلم يهجه أحد منهم بالجبن، ولو كان كذلك لهجي به (٩) ". قال السهيلي في (الروض الأنف): "ومحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسانًا كان جبانًا شديد الجبن، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد، وقال: لو صح هذا لهجي به حسان، فإنه كان يُهاجي الشعراء، كضرار، وابن الزِّبْعرى، وغيرهما، وكانوا يناقضونه ويرودُّن عليه، فما عيّره أحد منهم بجبن، ولا وَسَمَه به، فدل هذا على ضعف حديث ابن إسحاق، وإنْ صحّ فلعل حسان أن يكون معتلًا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال، وهذا أولى ما تُأول عليه، وممن أنكر أن يكون هذا صحيحًا أبو عمر [بن عبد البر] في كتاب (الدرر) له (١٠) ".

ومن هنا يتبين براءة هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - من هذه التهمة، فهي لا تصح سندًا ولا متنًا، وأدلة ذلك ما يلي:

١ - من ناحية السند فهي لم تروَ بسند صحيح متصل، كما سبق بيانه.

٢ - من ناحية المتن: فإن الجبن مما تعيّر به العرب بعضها بعضًا في الجاهلية والإِسلام، ولو عُرف ذلك من حسان - رضي الله عنه - لهجاه شعراء المشركين، كما سبق ذلك في كلام الإمامين: ابن عبد البر، والسهيلي.

٣ - لم يُذكر تخلف حسان - رضي الله عنه - عن شيء من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان فيه القتال مباشرًا، كبدر، وأحد، وحنين، وغيرها.

٤ - لم يكن في غزوة الخندق قتال مباشر بين الطرفين؛ للخطة المحكمة

بحفر الخندق وحجز الأحزاب، فلم يكن بينهما إلا المراماة، ومنها أصيب


(٩) الاستيعاب في أسماء الأصحاب بهامش الإصابة (١/ ٣٤٠)
(١٠) الروض الأنف (٦/ ٣٢٤).

<<  <   >  >>