للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ارهاصات الرحلة]

١١٣- فصلت العير، وفيها خير خلق الله تعالى، تكلؤها عنايته سبحانه وتعالى، ولم تكن سفرا قاصدا بل كان فيها مشقة، وإن لم يكن فيها عنت فوق الطاقة، وكانت عير خديجة واحدها، تبلغ عير قريش كما أشرنا، حتى بلغت سوق بصرى التى بلغتها القافلة الأولى التى كان فيها محمد صلّى الله عليه وسلّم مع عمه أبى طالب، وهو فى الثانية عشرة من عمره.

وروى أنه وصل إلى سوق «حباشة» وهى أرض بتهامة، ولكن الرواية الأولى هى المشهورة وهى أقرب إلى التصديق، أو هى الصادقة، لأن تهامة من أرض العرب، والرحلة كانت إلى الشام، إذ كانت العير حاملة البضائع إلى الشام، لا إلى العرب.

وكان معه ميسرة مولى خديجة، لا ليرقبه، فما كان يتصور منها ذلك بالنسبة للنبى عليه الصلاة والسلام، ولكن ليخدمه وليعينه فى حله وترحاله.

وكان خروج العير أو وصولها لأربع عشرة بقيت من ذى الحجة «١» ، وله عليه الصلاة والسلام خمس وعشرون سنة.

وكأن هذه العير خرجت بعد قيام الأسواق التى تقام فى مكة أيام الحج، عكاظ، وذى المجاز، ومجنة، وهذا يوميء إلى أنها حملت من بضائع هذه الأسواق التى تجيء من اليمن وسائر نواحى العرب، قاصيها ودانيها، وذهبت إلى الشام محملة بها، وكانت البضائع تباع فى مكة، لتنقل من بعد إلى الشام، أو إلى اليمن.

ولما وصلت العير إلى بصرى كان السير قد بلغ منه الجهد فاوى إلى شجرة قريبة من صومعة راهب هو نسطورا، وهو غير راهب الرحلة التى كانت مع عمه، إذ الأول اسمه بحيرى، وهذا اسمه نسطورا وقد مضى على الأولى نحو ثلاث عشرة سنة، ربما يكون الأول قد مات، أو غير صومعته.

التقى الراهب بميسرة غلام خديجة، الذى كان فى معونة محمد عليه الصلاة والسلام وخدمته، وقال له: من هذا الرجل الذى نزل تحت هذه الشجرة؟ قال: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، قال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى. وكأن هذه الشجرة منذ القدم هى منزل الأنبياء ينزلون فى ظلها وغيرهم ينصرفون، ولا يلوون عليها، وقد استبعد بعض كتاب السيرة هذا المعنى، لبعد العهد بين محمد عليه الصلاة والسلام، وعيسى عليه السلام، والشجرة فى نظر هؤلاء المستبعدين لا تعمر فى العادة هذا العمر الطويل، وليس من المعقول أن تخلو شجرة من أن ينزل فيها السيارة فى الطريق الطويل وفيه الظل


(١) المواهب اللدنية للعسقلانى وشرحها ج ١ ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>