للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محمد من أوسط قريش نسبا]

٥٦- التقى أبو سفيان بن حرب بهرقل بعد أن ظهر أمر نبوة النبى صلّى الله عليه وسلّم. وشاعت دعوته، وسمع الرومان برسالته، فسأله عن النبى صلّى الله عليه وسلّم أسئلة كان من بينها السؤال عن نسب النبى صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو سفيان، وهو خصم شديد اللدد قوى الخصومة عندما سئل فى ذلك، فقال غير كاذب: «إنه من أوسط قريش» أى أعلاهم، لأن الأوسط هو الأعلى والأشرف. فقال هرقل: هكذا يبعث الأنبياء من أشرف الناس نسبا.

وأخبار القران عن الأنبياء السابقين تثبت أنهم كانوا من أعلى الناس فى قبائلهم من حيث مكانة أسرهم، ولنضرب لذلك مثلا بشعيب عليه الصلاة والسلام، فقد كان من رهط شريف، وكان نسيبا فيهم، ولقد قال الله تعالى فى مجادلته لقومه قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ، وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً، وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ، وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ. قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا، إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ «١» .

وإن هذا النص الكريم يدل على أن شعيبا عليه السلام كان من قبيل فيهم شرف، وفيهم عزة ومنعة، وبذلك كان من أوسط العشائر وأعلاها فى مدين.

ومحمد صلّى الله عليه وسلّم كان من أسرة فيها سمو وعلو فى قومه، وقد روى ابن عباس أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يزل الله عز وجل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة صفيا مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت فى خيرهما» .

وفى الصحيح من حديث واتلة بن الأسقع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم» .

وبذلك يتقرر أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان رفيع النسب، وليس المراد بشرف النسب أن تكون عشيرته ذات مال كثير، وأن يكون قد نال منهم تركة مثرية كبيرة، فإن المال لا يكون نسبا، وقد كان عمه أبو طالب كبير البطحاء وشريفها، وكان مع ذلك فى المال قلا، والنبى صلّى الله عليه وسلّم مع علو نسبه بين العرب كان فقيرا، وكان يتيما، وكان يرعى الغنم، فليس علو النسب والشرف ملازما لكثرة المال، أو قوة البطش، أو عظمة السلطان، إنما شرف النسب أن يكون من كورة يعلو احادها عن النقائص، ويخشون العار من أن يقعوا فى رذيلة يستنكرها العرف، ويستهجنها ذوو العقول السليمة، وأن يكون لهم شرف نفسى، ولم يجعل النبى عليه الصلاة والسلام شرفه فى العرب بالمال، أو السطوة، بل جعل شرفه بأنه من خيرهم نفسا وبيتا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «جعلنى فى خيرهم بيتا وخيرهم نفسا» .


(١) سورة هود: ٩١، ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>