لقد تطاولت فاعتزمت أن أكتب فى سيرة نبيك وخاتم أنبيائك محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاغفر لى يا رب ذلك التطاول، إنك أنت الغفور الرحيم، وأمدنى بعونك وتوفيقك فى هذا المقام الذى يعلو عن طاقتى، وتعجز فيه قدرتى إن لم يكن منك العون.
رب لا تخزنى، فإنه لا قدرة لى إلا بتوفيقك، ولك الفضل، والمن، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ «١» .
وإنى قد اتجهت إلى القصد فى القول. فمهما يكن الإطناب، فإنه لا يصل إلى الغاية ولا يبلغ الشأو. ولذلك اجتهدنا فيما هو تحت سلطان قدرتنا، ومع ذلك استطال بنا القول، وإن لم ندرك النهاية، فهى فوق قدرة عاجر مثلى، ولقد قسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
أولها- ذكر حياة النبى صلّى الله عليه وسلّم من ولادته التى حاطتها الخوارق، وحياته التى كانت كلها إرهاصات بالنبوة، حتى بعثه الله تعالى بشرا رسولا، وأوذى هو وحواريوه فى الله، وصبر وصابر، حتى كانت الهجرة التى أنشئت بها مدينة الإسلام، ودولة الإيمان.
والثانى- فى جهاده، وقمع الشرك، وفتح الطريق للدعوة المحمدية، وإزالة المحاجزات من طغيان الظالمين، وفتنة المؤمنين، حتى تسير الدعوة فى طريقها من غير عوج، وفى طريق معبد لا يحاجزه الشر، ولا يدعثره الإيذاء. وإن هذا الجزء ينتهى بصلح الحديبية، حيث يئس الشرك من أن ينال من أهل الإيمان، وعجز عن أن يغزو المؤمنين، وصارت الكلمة العليا فى الجزيرة العربية للإيمان، وسارت الدعوة فى كل مسار.
والجزء الثالث من بعد الحديبية، وفيه تجرد النبى صلّى الله عليه وسلّم لليهود الذين كانوا شوكة فى جنب العرب، وأخذ الإسلام يعم جزيرة العرب، ويخرج إلى أقطار الأرض، فكانت مؤتة، وكان الفتح العظيم الذى يئس فيه الشيطان أن يعبد فى هذه الأرض، وأخذ الإسلام يغزو ما حول العرب بكتب النبى ورسله، والسرايا يبثها، وبالخروج إلى الروم الذين قتلوا المؤمنين من أهل الشام فى أرضهم، فكان لابد من تأمين الدعوة، وإزالة الفتنة، وهذا الجزء ينتهى برحلة النبى صلّى الله عليه وسلّم من هذه الدنيا بروحه إلى السموات العلا.
اللهم انفعنا بهديه، واهدنا سبله، إنك تهدى من تشاء، وإنك على كل شىء قدير.