للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبر الثانى قد أشرنا إليه من قبل، ورجحنا أنه السبب فى إعادته بعد شهرين من بلوغه حولين كاملين، وهذا نص كلام ابن إسحاق:

«حدثنى بعض أهل العلم: أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه أن نفرا من الحبشة نصارى رأوه حين رجعت به بعد فطامه، فنظروا إليه وسألوها عنه، وقلبوه ثم قالوا لها:

لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا غلام كائن له شأن، نحن نعرف أمره. فزعم الذى حدثنى أنها لم تكد تنفلت منهم حتى أرسلته إلى أمه» .

[سفر أمه به إلى يثرب:]

٩٢- كانت امنة مثالا للمرأة الكاملة، وهى بعد لم تتجاوز العشرين إلا بقليل، فقد رأت أن تزور يثرب وهو معها هو وأم أيمن حاضنته بعد أمه الكريمة، وذلك لأمرين:

أولهما: أن تزور مع ولدها قبر أبيه، وفى ذلك أجل الوفاء، وأكرمه، وكأنها ترى زوجها وديعته التى أودعها إياها.

وثانيهما- أن تعرفه بقرابته من ذوى الأرحام، وهم بنو النجار، إذ تزوج منهم جده هاشم، تزوج سلمى بنت زيد بن عمرو الذى ينتهى بنسبه إلى عدى من نبى النجار، وكان بالمدينة ذا شرف ومال.

وقد تحقق لها ما أرادت، ولعل هناك باعثا اخر، وهو أنها كانت تخشى على وليدها العزيز جو مكة، ووباءه، فأرادت أن تخرج به من ذلك الجو المزدحم الأهل بالسكان، لقد كانت حليمة تأخذه من وقت لاخر، فينقى جسمه من جو مكة المتكاثف، وينال من جو البادية ما ينعش جسمه ونفسه، ويكون إرادته، ويكون فيه متصلا بالكون لا يحجبه عنه حاجب، ولا يحول دونه باب، بل هو متصل بالسماء وزرقتها والنجوم ومدارجها، والقمر وانبلاجه، فيرى الشمس سراج الوجود، والقمر منيره من غير استتار يمنعه، أو حاجز، يرى الشمس فى مشرقها، وضحاها، وأصيلها وغروبها، وشفق القمر إذ يضئ، فيشق ضوءه الظلمات وينبلج نوره، ويتغنى به الشعر، وفى ظله يتسامر المدركون لجمال منظره، ودلالته على الخلاق العليم.

سافرت به أمه لتزور قبر أبيه، وأخواله، ولتخرج به من مزاحم مكة، ومحاجزها، وهى أحب أرض الله إليها، ولكنه الوفاء، ورعاية الوليد الطاهر فى جسمه ونفسه، وأهله، ولتريه ذوى رحمه كما رأى عصبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>