وقد عرض سؤال غريب: إننا قبلنا أن يبقى الذمى، وهو يعبد النار، ويؤمن بالتثليث، وغير ذلك مما هو خطأ فى جنب الله تعالى، فكيف لا نقبل عهد الذمى إذا سب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إن هذا فى القياس غريب!!
ونقول فى الجواب عن ذلك: إن ذلك اعتقادهم، وقد قبلنا أن يبقوا تحت ظلنا مع استنكار ما هم عليه، وأمرنا بتركهم وما يدينون، ولم يكن فى ذلك البقاء إفساد للنظام، ولا هدم للعهد، أما سب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فهو متضمن أمورا أخرى عظيمة، فهو يتضمن مهاجمة الإسلام، وألا يترك المسلمون وما يدينون، بينما المسلمون تركوهم وما يدينون، وفوق ذلك يكون إعلانا للخروج على الطاعة والنظام.
[غزوة هوازن]
٦١٩- أخذت القوى العربية المشركة تتخاذل شيئا فشيئا، وبعد أن فتحت أم القرى، وتلاقت فيها القلوب على مودة ورحمة، وعادت الأخوة بين ذوى الأرحام، لم يبق من أهل القوة من العرب إلا هوازن وثقيف بالطائف، وكانوا ذوى بأس شديد فى البلاد العربية.
ولقد قال الصديق وهو ينطق بالحكمة:«لن نغلب بعد اليوم من قلة» وقد صدق فى ذلك، فإنهم قد صاروا كثيرا وقد توافر العدد، وتوافرت العدة، ولكن تكون الهزيمة من غرور أو ضعف فى النفوس، أو عدم التنظيم الجامع. وقد صدقه ربه فى ذلك. فقال تعالى:
وإن الجيش الإسلامى كان اثنى عشر ألفا، وذهب إلى هوازن، والتقى بهم فى أوطاس فى العاشر من شوال من السنة الثامنة من الهجرة.
ونحب هنا أن نشير إلى جيش الإسلام فى هذه الموقعة، أهو جيش المؤمنين، أم كان فيه من دخل الإسلام، ولم يدخل الإيمان فى قلبه، كما قال تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات- ١٤) .