٣٣١- كان دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة يوما مباركا على أهل المدينة المنورة، وعلى الأخلاف، وعلى الخليقة كلها، لأنه اليوم الذى انتقل فيه الإسلام من الدعوة فى مكة المكرمة وما حولها، غير معلم بنظام ثابت مقرر عام بل كانت الدعوة فى دائرة العقيدة، وبيانها، وبيان ما يتعلق بها، من غير أن تكون نظاما مفروضا يتبع وينفذ، انتقل الإسلام من ذلك الحيز إلى عموم الدعوة فعلا، للبلاد العربية، فى كل صقع من أصقاعها، ثم تجاوز حيز العرب، إلى الدول المجاورة، ومنها انساب إلى ما وراءها من إقليم إلى إقليم.
ولقد أحس أهل المدينة المنورة بما حباهم الله به من فضل، وبما اختص المدينة من شرف، إذ صارت موطن الإيواء والنصرة أولا، وموطن النظام الإسلامى ثانيا، والمكان الذى يأرز إليه الإسلام ثالثا، وأحست بأن الوثنية اذنت بأفول، وأن اليهود فيها صاروا لا يتطاولون بعلم علموه، أو كتاب سبقوهم به.
ولذا خرج الناس مهللين مكبرين بمقدم النبى صلّى الله عليه وسلّم يستقبلون من يرونه فيه الهداية فرحين واجدين فى مقدمه العزة والكرامة، والإخلاص والطهر من الوثنية.
روى الشيخان البخارى ومسلم بالسند المتصل عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه أنه قال:«خرج الناس حين قدمنا المدينة فى الطريق، وعلى البيوت الغلمان والخدم يقولون: «الله أكبر جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الله أكبر جاء محمد، الله أكبر جاء محمد، الله أكبر جاء رسول الله، فلما أصبح انطلق، وذهب حيث أمر» .
وروى البيهقى فى دلائل النبوة، وأبو بكر المقرى فى الشمائل، والطبرى فى الرياض، عن ابن عائشة، واسمه عبيد الله بن محمد بن حفص، وأمه عائشة بنت طلحة، أنه صعدت ذوات الخدور تعلن تهنئة له حال دخوله:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع «١»
روى هذا الخبر فى سنن الترمذى والنسائى عن السائب بن يزيد.
(١) يقول ابن القيم إن هذا الدعاء قيل عند عودة النبي صلي الله تعالي عليه وسلم من غزوة تبوك، ويحذف البيت الأخير من الأبيات الثلاثة، والسبب في قوله أنه أرجف المرجفون في المدينة عن النبي في غزوة تبوك مما جعل المؤمنين يستبشرون ويفرحون بمجيئه، فخرج الغلمان والنساء يقولون، وإن ثنية الوداع في مدخل المدينة من قبل الشام، لا من قبل مكة، ويقول في ذلك ابن القيم: لما دنا رسول صلّى الله عليه وسلّم من المدينة، خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولائد تعلن طلع البدر علينا. من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا. ما دعا لله داع، وبعض الرواة يقول. إنما كان ذلك عند مقدمه من مكة إلى المدينة وهو وهم لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، ولا يراها القادم من مكة إلي المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلي الشام.