وقال أبو حنيفة إن ذلك يفضى إلى المنازعة، وإن كل ما يؤدى إلى المنازعة يكون باطلا.
وإن تخريج عمل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه بيع فيه نظر، فلم تكن مقايضة بين القائمين وبين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إنما كان هناك عتق فى نظير مال، فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم طلب إليهم أن يطلقوا ما فى أيديهم من السبايا، وأن يعوضهم عن هذا العتق بمال تكون قيمته هى قيمة من أعتقوهم فى نظر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ارتضوا ما قدر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو عتق بشرط وليس ببيع.
وإن العتق هو تبرع مالك الرقبة للرقبة نفسها، لأن إعطاء الحرية فهو هبة بشرط العوض والهبة (والعتق بالذات) يتسامح فيه بما لا يتسامح فى غيره، وما كان العوض المؤجل ثمنا، حتى تكون جهالته مفضية إلى المنازعة، إنما هو عوض فى عتق فلا يؤدى إلى التنازع، ولذلك نقول إنه ما كان ثمة حاجة إلى مناقشة كونه ربويا، أو غير ربوى، وكون التأجيل إلى أجل مجهول جائز أو غير جائز، فإن تصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعيد عن ذلك كل البعد.
[غزوة الطائف]
٦٣١- تتبع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هوازن حيثما سارت سار وراءها، سار وراءها إلى أوطاس، إذ دخلتها هوازن وتحصنت بها ثم ساروا إلى الطائف، وهى ذات حصون قوية، وهم أشداء، ورماة، فسار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فلما علموا بمسيره تحصنوا بحصونهم، وجمعوا طعاما وزادا يكفيهم سنة، بحيث يصبرون إذا طال الحصار عليهم، فيجهد أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يجهدون، وهم فى حصونهم يرمون ولا ينالون، فيقتلون ولا يقتلون.
والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما اتجه إلى حصونهم أشار عليه سلمان الفارسى بالمنجنيق يرمى بها حصونهم، فيأتيها من قواعدها، فتنهار قوة تحصينهم.
وصنع لهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دبابات من خشب تقتحم عليهم حصونهم.
مضى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إلى حصون الطائف، فرموا جيش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وصار النبل ينزل على المؤمنين كأنه جراد، فقتل من المسلمين عدد قيل إنه بلغ اثنى عشر شهيدا أو يزيد، فاوى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مكان بعيد عن مرمى النبل، ولكنه يريد أن يعرف حالهم فى الداخل.