للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعله يبدو بادى الرأى واضحا جليا أن أكثرهم قد رد من عشيرته، ولم يستجب إلا بعض نساء العشيرة الطاهرة كصفية، وفاطمة امرأة أبى طالب، وكان من هذه العشيرة أول من جاهر بالعداوة، وهو قريبه القريب عمه أبو لهب، وفى هذا دليل مادى على أن الدعوة ما كانت من انبعاث قبلى، بل كانت استجابة لدعاء رباني.

كان إعلان الدعوة للعشيرة الأقربين، إعلانا للعرب أجمعين، فقد كانت بأعلى الصفا، وتسامع بها الناس، وإذا كان الخطاب للعشيرة خاصة، فقد كان الإعلام لقريش، ثم إظهارا لنبى بعث رحمة للعالمين، تسامعت به الركبان، وتذاكر فى دعوته الذين يغشون مكة المكرمة من غير أهلها، وبذلك انتشرت الدعوة المحمدية بتبليغ رسالة ربه الذى كلفه بإبلاغها فى غير معاندة للمشركين، ولا مجابهة لهم، ولا تحد لملتهم.

ولقد كانت تسير فى استخفاء، كما يسرى الماء العذب فى أرض مغطاة بالأعشاب، ولكنه يثمر، وينبت، وينمو ولو كان مستخفيا، وكان الذين ارتضوا الإسلام دينا يستخفون بعبادتهم ولا يظهرونها، ويذهبون إلى شعاب مكة المكرمة يصلون فيها، وما عرف أنهم كانوا يذهبون إلى الكعبة الشريفة مجاهرين متحدين، ولكن كانوا يستخفون بهذه العبادة.

ولقد روى إسلام كثيرين فى ذلك وهم علية الصحابة الذين بنيت دعوة الإسلام عليهم، وكانوا الدعامة الأولى فى قواعد البلاغ المحمدى.

[فاصدع بما تؤمر]

٢٢١- نزل فى تدرج الدعوة قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.

إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ.

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «١» فكانت هذه الايات الكريمة دعوة إلى أن تبلغ الدعوة أقصى مراتبها، وأبعد تكليفاتها أثرا فى التكليف، وتأثيرا فى النفوس.

ومن كتاب السيرة من يرى أن التكليف الكامل بدعوة الناس أجمعين قد ابتدأ من نزول قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ومن هؤلاء ابن كثير، فقد قال فى نزول هذه الايات الكريمات ما نصه، بعنوان «أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة.) قال الله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا


(١) سورة الحجر: ٩٤- ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>