(٢) غار حراء كهف صغير بأعلى حراء، جبل فى الشمال الشرقى من مكة، يبعد عنها بما يقرب من ثلاثة أميال، وهذا ليس بذى زرع ولا غرس، بل هو مملوء بالصخور لا عمران فيه ولا يأوى الناس إليه، ولا يستأنسون به، يمشى الماشى فى طريق مدعثر، لا يصل إليه إلا فى مقدار من الزمن قد يسير فى طريق غير معبد إلى نحو الساعتين، فإذا وصل إلى سفح الجبل بعد هذه المدة لا يرتفع إلى الغار إلا فيما يقرب من ساعة، وإذا ارتفع وجده موحشا يحس فيه الداخل برهبة، وهو أعلى الجبل، فيزداد المقبل عليه عزلة عن الناس، بل عن الأرض وما فيها، ويكون الغار من وراء صخرتين كبيرتين تعترضان داخله، قد ضيق الله ما بينهما، وإذا تجاوزهما، ودخل الغار أحس بأنه قد صار معزولا عن العالم عزلة كاملة. وإن اختيار محمد بن عبد الله ذلك المكان، لأن فيه العزلة الكاملة عن الناس، والوحشة من كل شىء إلا الأنس بالله واحده، وكان اختياره بإلهام الله تعالى ليكون مقدمة جهاده، ويعيش فيه حياتين، أولاهما- رهبة، والثانية صعبة، وإن كانت نهايتها سعيدة. (٣) سورة الأحقاف: ١٥.