للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بالرؤيا الصادقة، وظننا ذلك ظنا، والان ندركه راجحا رجحانا يقرب من اليقين، فصلى الله تعالى على محمد العابد صبيا وكهلا، ومن الصالحين.

[التقى بالروح القدس:]

١٩٦- روح القدس هو جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وكما قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «١» .

لقد جاء إليه جبريل عليه السلام، وهو فى غار حراء «٢» يتعبد الله تعالى، حيث علا قلبه إلى المقام القدسى، فارتفع من الأرض، إلى ملكوت الله تعالى، فصارت نفسه صالحة لتلقى نور السماء، فنزل رسول أمين من رب العالمين. إلى رسول الخلق أجمعين ليحمل رسالة ربه، ويبلغها للعالمين، من رب غفور، وقد توالى النزول.

ولكن متى ابتدأ؟ قالوا إنه فى الأربعين من عمر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهى أشد العمر، وهى سن النضج فى الروح، وفى البدن، وفى العقل، فهى سن القدرة على الاحتمال، وقد قال الله تعالى فى هذه السن حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ «٣» وإذ قد بلغ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هذه السن، فقد أوزعه الله سبحانه وتعالى إليه، وجعله له خالصا، وقد تهيأ لذلك، وأنشأه صفوة خلقه، وجعله نبيا رسولا.


(١) سورة الشعراء: ٩٣، ٩٤.
(٢) غار حراء كهف صغير بأعلى حراء، جبل فى الشمال الشرقى من مكة، يبعد عنها بما يقرب من ثلاثة أميال، وهذا ليس بذى زرع ولا غرس، بل هو مملوء بالصخور لا عمران فيه ولا يأوى الناس إليه، ولا يستأنسون به، يمشى الماشى فى طريق مدعثر، لا يصل إليه إلا فى مقدار من الزمن قد يسير فى طريق غير معبد إلى نحو الساعتين، فإذا وصل إلى سفح الجبل بعد هذه المدة لا يرتفع إلى الغار إلا فيما يقرب من ساعة، وإذا ارتفع وجده موحشا يحس فيه الداخل برهبة، وهو أعلى الجبل، فيزداد المقبل عليه عزلة عن الناس، بل عن الأرض وما فيها، ويكون الغار من وراء صخرتين كبيرتين تعترضان داخله، قد ضيق الله ما بينهما، وإذا تجاوزهما، ودخل الغار أحس بأنه قد صار معزولا عن العالم عزلة كاملة. وإن اختيار محمد بن عبد الله ذلك المكان، لأن فيه العزلة الكاملة عن الناس، والوحشة من كل شىء إلا الأنس بالله واحده، وكان اختياره بإلهام الله تعالى ليكون مقدمة جهاده، ويعيش فيه حياتين، أولاهما- رهبة، والثانية صعبة، وإن كانت نهايتها سعيدة.
(٣) سورة الأحقاف: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>