للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنه يبدو من نهاية القصة أنه كان فى قريش من تألم من الأمر الذى نزل بإخوانهم، ولعله كان فيهم ميل لتصديق محمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك دخل الأكثرون منهم من بعد فى الإسلام.

وإن نهاية الخبر تدل على أن بعض قريش، وإن دخلوا فى الحلف طائعين كانوا لنتائجه كارهين، فلم يستطيعوا تحمل نتائج ما عقدوا عليه حلفهم بعد أن رأوه واقعا، وأنهم كانوا يرونه تهديدا، ولا يرونه أمرا صالحا للنفاذ، وقد عظم عليهم عندما رأوه نافذا.

ولقد كان منهم من يرسل الطعام سرا، ومن يعلم ذلك من ذوى الصلة منهم لا يستنكره. يروى فى ذلك أن حكيم بن حزام بن خويلد، ابن أخى خديجة ذهب ومعه غلام يحمل قمحا يريد عمته خديجة بنت خويلد وهى عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الشعب، فتعلق به أبو جهل، وقال: أتذهب إلى بنى هاشم، والله لا تذهب أنت وطعامك، حتى أفضحك بمكة.

عندما قال أبو جهل ذلك تعرض له أبو البخترى بن هشام بن الحارث بن أسد وقال له: مالك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بنى هاشم. فقال له أبو البخترى منكرا عليه فعله: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه أتمنعه؟ رجل يأتيها بطعامها، خل سبيل الرجل.

أبى أبو جهل أن يخلى سبيل حكيم بن حزام وتلاعنا، ونال كل من صاحبه، ولم يكن لأبى جهل أن يعامل إلا بالضرب، فأخذ أبو البخترى لحى بعير، فضربه وشجه، ووطأه وطئا شديدا.

وحمزة بن عبد المطلب يرى، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبنى هاشم فيشمتون بهم، وهكذا كانت الأطعمة تذهب إليهم. وكان من كتاب الصحيفة من لم يرض بتنفيذها، وكان يرجو إنهاءها، ولكن ذلك لم يمنع المشقة الشديدة التى لقيها بنو هاشم وبنو المطلب من قومهم، والرسول صلى الله عليه وسلم أشدهم مشقة واحتمالا.

الرسول صلّى الله عليه وسلّم مستمر فى دعوته

٢٧٢- إذا كانت المقاطعة قد ضيقت على الرسول عليه الصلاة والسلام وأسرته أسباب العيش السهل، وضيقت عليهم السبل فى الرزق، فإنها لم تمنعه من دعوته، فهو قائم بالليل، والإقامة فى ضيق الرزق، ولكنه ليس برما ولا متململا، مادام يستجيب لأمر الله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فأعرض عنهم واستمر فى دعايته، والله تعالى يمده بالعون والتأييد بنصره، فهو فى أنس من ربه، وإن كان فى وحشة من قومه، ولكن شعاره دائما: «اللهم اغفر لقومى، فإنهم لا يعلمون» «وإنى أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله تعالى» . والجدل مستمر بينه وبين احادهم يدعوهم إلى الحق، فيصدون بالباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>