للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن أبا جهل لعنه الله ليرمى فرث الجزور عليه، وهو يصلى صلوات الله تعالى وسلامه عليه، والنبى ساجد فتجيء فاطمة الزهراء وهى صغيرة، فتلقيه عن ظهر أبيها وهى تلعنهم.

وإن الفجر ليصل بأبى جهل اللعين إلى أن يهم بقتل النبى عليه الصلاة والسلام غير عابيء بأن يتحرك بنو هاشم للأخذ بثأره، وأنه لن ينجو من يد أبى طالب وسيف الله حمزة، فيجتمعوا فى ثأره، وإن تفرقوا فى اتباعه فى دينه، ولكنه الحقد الدفين يعمى ويصم، فلا يفكر الأحمق فى مغبة عمله، ولكن يفكر فقط فى شفاء غيظ نفسه الذى لا يكظمه.

حدث ابن إسحاق بسنده أن أبا جهل شيخ السفهاء من قريش وقف بينهم يقول:

يا معشر قريش، إن محمدا أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب الهتنا؛ وإنى أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد فى صلاته فضخت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. فلما أصبح أبو جهل لعنه الله أخذ حجرا ثم جلس لرسول الله ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ... فقام يصلى، وقد غدت قريش فجلسوا فى أنديتهم. فلما سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منبهتا ممتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده ... وقام إليه رجال من قريش فقالوا: ما بك يا أبا الحكم، قال: قمت لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط؛ فهم أن يأكلنى» «١» .

وقد روى مثل ذلك البيهقى والإمام أحمد. وإن كان ما روى عن أحمد موجزا عن ذلك.

[مهابة محمد عليه الصلاة والسلام:]

٢٥٧- هذا بعض ايذاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من المشركين، دع استهزاءهم إذا سار أو تكلم، ودع رميهم له بأنه ساحر ومجنون، ودع معاندتهم له، وهو يدعو القبائل إلى الاسلام، فهل كان ذلك سببه أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن المهيب، وأنه كان الهزيل الذى يجترأ عليه؟

والجواب عن ذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان المهيب فى شخصه، والقوى فى ذات نفسه، والذى اتاه الله تعالى القوة الإنسانية الكاملة، فهو المرهوب المحبوب الذى لم يرد أن يكون مرهوبا، وإن أراد الرهبة كانت، والله تعالى يعصمه من الناس؛ ولكن الحمقى والسفهاء يغرون بالكرماء، وكان محمد عليه الصلاة والسلام كريما، ولم يرد أن يكون مخوفا مفزعا، بل أراد أن يكون أليفا قريبا دانيا، ليستطيع أن يتألف الناس ولا يرهبهم.


(١) الهامة الرأس والقصرة الرقبة- راجع الخبر فى البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>