وما حال الحول حتى كان فتح مكة المكرمة، وكان أهل مكة المكرمة على ما كان خالد، وكان أبو سفيان من المسلمين. وأخذ الإسلام يدخل مدائن العرب، وأخبيتهم ما بين مؤمن مذعن ومسلم، وكافر يعرفه ويكرهه ولم يبق إلا أن يخرج نوره من أرض العرب إلى غير العرب.
وكان التدرج يقتضى ذلك، بأن يكون فى أم القرى، وما حولها، ثم يكون فى يثرب مجتمع القوى، ثم يكون فى العرب أجمعين، ويخرج من مشرق العرب إلى حيث النار والصليب، فيطفيء النار ويحطم الصليب، وتكون الكلمة لله وحده رب المشارق والمغارب.
[بعث الرسائل إلى الملوك]
٥٧٧- اتفق علماء السيرة والصحاح على أن الإرسال إلى الملوك والأمراء كان بعد الحديبية وقبل الفتح، ولكن اختلفوا أكان بعد صلح الحديبية أم كان بعد عمرة القضاء أم كان بعد مؤتة.
وإن الذى نختاره أنه كان بعد عمرة القضاء، وقبل مؤتة، وذلك لأن عمرو بن العاص خرج من مكة المكرمة مريدا الهجرة إلى الحبشة بعد عمرة القضاء وقد التقى فى الحبشة بمن بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى النجاشى، كما أنه التقى فى أثناء ذهابه إلى المدينة المنورة بخالد بن الوليد، وقد كانت إرادة خالد بن الوليد، الذهاب إلى مكة المكرمة وكلماته فى الدعوة إلى اتباع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عقب عمرة القضاء مباشرة.
وإن السياق التاريخى يثبت أن الكتاب إلى ملك الروم، وأمير الغساسنة فى الشام كان قبل مؤتة لأن غزوة مؤتة كانت بسبب قتل بعض من أسلم من الشام، وبسبب قتل الرسول الذى بعثه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أمير الغساسنة، والسبب مقدم على المسبب، فكان الكتاب بلا ريب سابقا على مسببه وهو غزوة مؤتة.
وفوق هذا كله، فإن السنة الصحيحة تصرح بأن الإرسال إلى الملوك قبل مؤتة، فقد روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب قبل مؤتة إلى كسرى وقيصر، وإلى النجاشى، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام.