للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شفيقا محبا، فإذا امن بفكرة نفذها بقلب قوى صابر، وبنفس مطمئنة راضية، ولو كان مصدر إيمانه باطلا.

وكان قوى الجنان ثابت الجأش لا يضطرب، ولا يهن ولا يضعف عند المفاجأة، ولا تذهب نفسه شعاعا، عندما يكون الأمر المخوف.

جاءت الحبشة بملكها، وأفيالها، وأقبل على مكة جيش لجب قوى مستند بأقوى العدد، وبأكثر العدد، فانخلعت القلوب واضطربت إلا قلب عبد المطلب كبير قريش، وسيد البطحاء، وكان يحسن القول، ويرهب بقوله فى هدأة من غير هوادة فى الحق.

جاء الجيش الحبشي، واستاق إبلا لأهل مكة، ومن بينها إبل لعبد المطلب، فذهب إلى لقاء أبرهة ملك الحبش وقائد جيشهم، ومعه الرهبة والطغيان، فما اضطرب قلب كبير البطحاء، بل ذهب إليه، وكانت فيه هيبة، وله سمت كريم يهابه من يلقاه، ويطمئن إلى سماحته، فعند اللقاء وقع فى قلب أبرهة هيبته فسأل عما جاء إليه، فسأله أن يرد الإبل، فقال إنه حسبه جاء يسأل عن الكعبة، وقال مستنكرا «أراك تسأل عن إبلك ولا تسأل عن الكعبة» فأجابه فى قوة أوقع الرعب فى قلبه بإجابته «أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه» والجواب فيه إرهاب وتخويف، إذ أنه يقول له: لا تظن أنك منتصر، أو غالب، أو مقتلع البيت الذى جئت لهدمه، فإن ذلك فوق قدرتك، بل فوق طاقتك، لأنه بيت الله والله يحمى بيته، ولن تنتصر، فالله خاذلك. جواب مرهب مفزع، ولكن فى هدوء الحكيم، ورفق الذى يزن القول، ويعرف موقعه.

ولذلك كلام مفصل فى موضعه إن شاء الله تعالى.

[عبد الله]

٦٨- ذلك هو الجد القريب الذى تربى النبى عليه الصلاة والسلام فى حضنه، والذى رأى أول ما رأى عزة الرجال، وحكمة الشيوخ، وعطف الأبوة التى عوضه بها عن أبيه الذى لم تكتحل عيناه برؤيته، ولابد أن نذكر كلمة عن الرجل الذى افتدته قريش كلها، وهو عبد الله أعز أولاد أبيه إليه، وأقربهم منه، لقد كان أحب أولاد عبد المطلب العشرة «١» وقد اتسم بالجمال فكان أجمل قريش وأحب الشباب إليها.


(١) العشرة هم الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبو طالب واسمه عبد مناف، وأبو لهب، واسمه عبد العزي، وعبد الكعبة، والمغيرة، ونوفل، وعبد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>