للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتبين من هذا البيان أمران:

أحدهما: أن الحصون التى أحصيناها كان كل واحد منها عنوانا لمجموعة حصون، وقد توالى سقوطها مجموعة مجموعة، بلا تخريب، ولكن يقاتل من فيها حتى يفروا إلى حصن آخر وراءها، ولذلك يقول ابن إسحاق: كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتدنى، أى يحارب الأدنى، فالذى يليه، حتى إذا تجمعوا فى الحصون الأخيرة، التقت فيها جموعهم الفارة، وتقاتلوا مستميتين، وبذلك طال الحصار، واشتد من خارجها. كما اشتدوا هم فى الدفاع من داخلها. فهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعمل المنجنيق، إذ لا يمكن الوصول إلى المقاتلين إلا بالهدم، ولا يلجأ إليه بمقتضى قانون الإسلام فى الحرب إلا عند الضرورة، إذا تترس به العدو ولا سبيل للوصول إليه، إلا بهدمه.

فلما رأوا أنهم مقتولون لا محالة سلموا.

الأمر الثانى: أن أشد قتال لقيه المسلمون كان فى خيبر، لأنهم قاتلوا قوما فى حصون، ولم يكن القتال فى العراء، والأعداء لا يواجهون المؤمنين، بل يقاتلون من وراء حصونهم: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر: ٢) .

وقد انتصر المسلمون فى هذه الموقعة، فكان آخر انتصار على معقل اليهود فى البلاد العربية، ولم يستطيعوا فيها تدميرا من بعد، ولكن كان خبثهم فيما وراءها وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران: ٥٤) وكان قتلى المسلمين: ٢١ شهيدا وسبى وقتل كثيرون من اليهود.

[الصلح والغنائم]

٥٢٥- لما هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنصب المنجنيق، وأيقنوا بالهلكة نزل إليه ابن الحصين مستسلما طالبا الصلح على النجاة بأنفسهم وتسليم ما بأيديهم، فصالحه بالإجمال على حقن دمائهم، وسيرهم، ويخلون بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين ما كان لهم من الأرض والأموال، الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى أنه ليس لهم إلا ما كان على ظهر الناس يعنى لباسهم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قابلا عرضهم: «وبرئت منكم ذمة الله، وذمة رسوله، إن كتمتم شيئا» ، فصالحوه على ذلك.

قال ابن كثير: ولما كذبوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخفوا المسك (الجلد) الذى كان فيه أموال كثيرة لحيى بن أخطب، فتبين أنه لا عهد لهم فقتل ابن أبى الحقيق وطائفة من أهله بسبب نقض العهود والمواثيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>