٦٩٥- فى زحمة الوفود لم نسر فى مسار التاريخ، فلم نذكر الوقائع فى مواقيتها، ميقاتا بعد ميقات لأن الوفود لم يكن ميقات كل واحد منها محدودا بحد لا يقبل الاختلاط بغيره، ولذا ذكرناها فى مواقيتها على وجه التقريب، لا على وجه التعيين. ومهما يكن فإن غالبها ذكر فى ميقاته وفى مناسباته، ولكن الأمر الذى لم نذكره فى ميقاته، بل ذكر ما بعده- قبله، هو حجة أبى بكر التى تولى فيها إمرة الحج، وهذه أول حجة كانت بإمرة من النبى صلى الله عليه وسلم أى كانت فى ظل الإسلام، بعد أن هدمت الأوثان من فوق الكعبة الشريفة، ومن حولها، بل من حول أم القرى كلها.
كان حج أبى بكر عقب غزوة تبوك التى كانت آخر غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومن بعدها، أخذ يستقبل الوفود، ويرسل الدعاة إلى الإسلام ويقتفى آثارهم فى دعواتهم، ومقدار الاستجابة لهم، فانتهى بهذه الغزوة، عهد تأمين الدعوة فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وتفرغ عليه الصلاة والسلام للدعوة ذاتها، وقد زالت كل المحاجزات المانعة واستمر دخول الناس فى دين الله تعالى أفواجا، وقد ابتدأ ذلك من بعد صلح الحديبية كما أشرنا إلى ذلك فى موضعه من القول.
وعلى ذلك فالدعوة كان لها ثلاثة أدوار:
الدور الأول دور وضع الأسس وتكون جماعة قوية فى إيمانها، وإن كان فيها ضعف فى السلطان، وقلة فى العدد، وأولئك هم الحواريون لمحمد عليه الصلاة والسلام كالحواريين لعيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
والدور الثانى دور الدعوة، وتذليل العقبات، وإزالة الحجزات فالدعوة لم تكن السبيل أمامها معبدة، بل كان لا بد من عمل لتعبيدها بإزالة كل العقبات التى تقف فى طريقها.
الدور الثالث كان بعد أن زالت العقبات فى الجزيرة العربية وصار الدين لله تعالى وقد كانت حياة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته من المهاجرين والأنصار الذين حضروا بيعة الرضوان خالصة للدعوة، وتبيين الحقائق الإسلامية، وبذلك كان كل من يبعثهم من أهل بيعة الرضوان، وإن بعث من غيرهم أردفه بواحد من الحواريين الأولين أو أهل بيعة الرضوان، كما فعل مع خالد وعلى رضى الله عنهما بالنسبة لليمن، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.
اتجه عليه الصلاة والسلام فى الدور الثالث إلى تطهير مكة المكرمة من أن يدخل فيها رجس الجاهلية من عبدة الأوثان. ولقد جرى حج السنة الثامنة على ما كان يجرى عليه من قبل فلم يصد عنها