عليه وسلم يجادلهم بالتى هى أحسن، مع سوء قصدهم، إطاعة لقوله سبحانه وتعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (العنكبوت- ٤٦) .
نترك الآن اليهود وأثر الانتصار المحمدى النبوى عليهم، وكيف نافقوا واتجهوا إلى الإيذاء النفسى بكل ضروبه، والنبى عليه الصلاة والسلام والمؤمنون الذين صابروا في ميدان القتال، صابروا اليهود وعلموا شرهم في ميدان الدس، والنميمة والخيانة، والفت في العضد أو ما يسمى بلغة عصرنا الحرب الباردة، فصبروا وانتصروا في الحالين، وكان النصر مؤزرا له ما بعده في تاريخ الإسلام.
[فى الفترة بين بدر وأحد]
٤٠٠- كانت فيما بين الغزوتين اللتين كان فيهما تعليم للمسلمين في الحروب، فالأولى علمتهم أسباب النصر، والثانية أرتهم أسباب الهزيمة، وأن طاعة القائد الحكيم فيها النصر، والتقاء القلوب، وكان الظفر المؤزر من بعد ذلك، وإذا لم يكن انتصار حاسم في بعض المواقع كحنين في ابتدائها، وكبعض الغزوات مع الروم، فلم يكن انهزام، ولم يكن خذلان.
وإنه في هذه الفترة بعد الانتهاء من الأولي، والابتداء في الثانية قد كانت شرائع الإصلاح الاجتماعى بتنظيم التعامل بين الناس، والإصلاح الاجتماعي، هو الذى يقيم الجماعة الإسلامية على التعاون الجماعى فوق التعاون الآحادى.
إذا كان الإخاء الذى كونه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تأليفا آحاديا، فقد شرع الله سبحانه وتعالى بعد غزوة بدر الزكاة وهى التعاون الاجتماعى.
لقد شرع الله سبحانه وتعالى قبيل غزوة بدر صدقة الفطر، وهى معاونة من الغنى للفقير والمسكين، ولا يتجاوز المصرف فيها الفقراء والمساكين، على ما حققه الأكثرون من الفقهاء، ومنهم ابن القيم، كما ذكرنا، وأنه لا تصرف في كل مصارف الزكاة على ما سنشير من بعد، ولأنه ورد في الأثر أن الواجب في صدقة الفطر، هو إغناء المساكين عن الحاجة في ذلك اليوم الذى هو فرحة المسلمين جميعا، وهو فرحة عيد الفطر، فيعم الفرح بهذه الصدقة المفروضة على رأى الأكثرين.
وأما الزكاة، فإنها تعاون اجتماعى عام يشمل الفقير والمسكين ذوى الخصاصة، ويشمل غيرهما ممن يكونون في حاجة اجتماعية وإن لم تكن خصاصة.