للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى جاء إلى دار أبى جهل، فطرق الباب طرقة من اعتزم أن يملى إرادته على هذا الطاغوت الفاجر.

قال: من هذا؟ قال: محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فاخرج.

خرج إليه وما فى وجهه قطرة دم، وقد امتقع لونه.

قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعزمة مرهبة لمثل أبى جهل: أعط هذا الرجل حقه.

قال الطاغوت المتخاذل: لا تبرح حتى أعطيه الذى له، فدخل فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه.

انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أحق الله الحق، بهيبة محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال للأراشى: الحق لشأنك. وأقبل الأراشى على المجلس الذى وقف يدعو ناديه لينصروه، فقال عن النبى عليه الصلاة والسلام: جزاه الله خيرا فقد أخذت الذى لى.

وقال الرجل الذى أرسلوه مراقبا للواقعة: «رأيت عجبا، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه» .

جاء أبو جهل فقالوا له: «ويلك مالك، فو الله ما رأينا مثل ما صنعت؟ فقال: ويحكم، والله ما إن طرق على بابى، وسمعت صوته، فملئت رعبا، ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته وأنيابه لفحل قط، فو الله لو أبيت لأكلنى» .

[لماذا لم يرهبهم صلى الله عليه وسلم بهيبته:]

٢٥٨- لقد كان المشركون يريدون بأذاهم المؤمنين، ويختصون من لهم حلم ومروءة، ولا عنف فيهم، ولا يتوقعون مقاومة كأبى بكر وعثمان وجعفر بن أبى طالب، وعلى رأس هؤلاء محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وينالون الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة يقاومون بها.

ولكن لم يعرف أنهم نالوا من عنده قوة بطش، ويذيقهم الكأس أكؤسا، فلم يعرف أنهم نالوا بالأذى حمزة بن عبد المطلب، لأنهم يتوقعون منه المقاومة، ولا يأمنون مغبتها، فقد علم ذلك أبو جهل اللئيم بموضعها من رأسه، ولم ينالوا بالأذى عمر بن الخطاب الذى شوه وجوههم، وأرغم معاطسهم، وطاح بهم مجتمعين، ولم ينالوه بالأذى لذلك، فقد كانوا يخافونه ويرهبونه.

وما كان محمد عليه الصلاة والسلام، دون عمر مهابة، بل أعلى من ذلك كثيرا، ولا دون حمزة قوة نفس، ولا قوة بدن ولكنهم نالوا منه، فلماذا لم يستخدم مهابته وقوة نفسه وشخصه، مثل ما أجازه

<<  <  ج: ص:  >  >>