لقد أسلم فروة بن عمرو الجذامى الذى كان قائدا لإحدى الفرق الرومانية عندما اقتتل الرومان مع المسلمين فى مؤتة.
فضاق الرومان ذرعا بإسلامه، واتهموه بالخيانة وقتلوه، وما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يترك دم هذا الرجل المسلم هدرا، بل لا بد من القصاص، وإن قتله فتنة تمنع غيره من أن يدخل فى الإسلام، فحق أمر الله وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة: ١٩٣) وجبت الطاعة لقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (التوبة: ٩) . قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (التوبة: ٢٩) .
وهناك أمر أخر ذكره كتاب السيرة أنه لما نزل قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (التوبة: ٢٨) ظن التجار الذين كانوا يقيمون المتاجر فى سوق عكاظ، وذوى المجاز ومجنة، وغيرها من الأسواق فى موسم الحج، ظنوا أن متاجرهم تكسد، فكان لهذا ولغيره غزوة الشام فى تبوك، وفى ذلك فتح لأبواب التجارة.
ذلك سبب ذكره كتاب السيرة، وما كنا لنذكره لولا أنهم ذكروه، فما كانت غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لتسهيل تجارة مادية، إنما كانت لتسهيل الدعوة الإسلامية، وإن هذه التجارة لن تبور، بل فيها مكسب أغلى وأعلى، وهو رضا الله سبحانه وتعالى.
وإن الرومان بعد غزوة مؤتة قد رأوا أن الدين الجديد يغزو النفوس بأحكامه. ويغزو البلاد برجاله، وأنهم يجب أن يعدوا العدة للقضاء عليه قبل أن يقضى على دولتهم، فكانوا يستعدون لغزو الإسلام، وما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتركهم حتى يغزوه فى داره، فما غزى قوم فى عقر دارهم إلا ذلوا.
وقد رأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الروم يجمعون الجموع وأن قيصر قد أعطى أرزاقهم لسنة، وإن فى غزو الرومان تقوية لبأس العرب الخاضعين للرومان فى الشام، إذ يجدونهم يتحفزون لرفع النير عنهم، وإخراجهم من سيطرة من يذلهم، إلى عز قومهم.
[الحال عند الغزو:]
٦٤٠- فى رجب من السنة التاسعة، ويظهر أنه فى آخره أى فى آخر الشهر الحرام، أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الناس بالتهيؤ لحرب الروم الذى قد أعدوا له عدة لحربه، وكان ذلك فى