أسوة في حربه وفي سلمه هى عبادة، لأن رفع الحق، والحرب لرفعه هو في ذاته عبادة، فليست عبادة الإسلام عكوفا في الصوامع من غير عمل نافع، بل كل عمل نافع فيه عبادة إذا نواها المؤمن:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى..» .
[أدوار الحرب المحمدية]
٣٦٣- كان لا بد قبل أن نخوض في حروب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأدوارها، والمعارك التى خاضها- من أن نسبق بالقول في أوصاف حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فإن ذكر الحرب قد يفزع، ويرهب، فكان من الضرورى أن نعرف القارئين بأنها ليست كحرب الناس تستمد أحكامها من الغلب بالمخلب والناب، وأنها حرب نبوة تدفع إليها الفضائل الإنسانية، ويظلها الحق والخلق الكريم في الباعث عليها، وفي ابتدائها، وفي سيرها، وفي الانتهاء منها، وفي معاملة المغلوبين، ليتميز الخبيث من الطيب، ولكيلا يتطاول ملحد في دين الله على مقام الرسالة، ومكان الهداية، ويقع في القول بغير حق ويفترى بالباطل، فنضع الحقائق بين يديه، فإن شاء استنار بها، وإن طمس الله تعالى على بصيرته فما له من هاد، ويكون كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وبعد هذه التقدمة نقول أن حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخذت أدوارا ثلاثة:
الدور الأوّل: توجه عليه الصلاة والسلام للتصدى لمتاجر قريش ليشعرهم بقوة الحق، وليحملهم على منع الفتنة في الدين، وليدركوا نور الحق بعد أن تبين نوره قويا وهاجا، وليعلموا أنه لا ملجأ لهم من الله سبحانه وتعالى إلا إليه.
[والدور الثانى:]
تلقيه لمن يهاجمون المدينة المنورة لينالوا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه. ظانين أنهم بذلك يقتلعون الإسلام من جذوره ولينالوا منه نيلا، قد ابتدأوه في مكة المكرمة، وحاولوا أن يقطعوا شجرته في المدينة المنورة، حاسبين أنه قد استغلظ سوقها.
وفي هذا الدور كانت بدر الكبرى، وأحد، والخندق أو الأحزاب، ومعها كان إجلاء بنى قينقاع، وبنى النضير، وبنى قريظة.
[الدور الثالث:]
كان في الخروج إلى العرب الذين قاتلوه كافة، فكان حقا عليه أن يقاتلهم كافة، كما أمره الله سبحانه وتعالى بقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة- ٣٦) وفي تلك الغزوات كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعمم