للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيلها، وهو صابر مصابر، حتى إذا هاجر حمل السيف مجاهدا، كما حمل القرآن الكريم هاديا معلما، يعلى الإنسانية ويكرمها، ويسامح ويواد، حتى كان الإنسان الكامل فى هذا الوجود؛ وإذا كان قد دفن جسده فلن تدفن شريعته.

[تركة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم]

٧٢٤- لم يترك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مالا. ولم يكن لديه فى آخر حياته عند وعكة الموت إلا ذهبة تصدق بها فى آخر حياته، فلم يكن مالكا لمال، ولكن إذا كان مال كان لما يقدمه للبر، فكان يعيش على خبز الشعير، ويمر المال بيده، مرور الماء، ويسيل إلى الضعفاء والمساكين، وأبناء السبيل واليتامى فلا يبقى فى يده شيء، وإذا بقى لا يكون ميراثا لأهله، وهو يقرر فى شريعته «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة» ، فكأن كل ما يتركه صدقة لا يملكه ولد ولا عم، بل فى مصرف الخير والبر، فما كان الأنبياء ليختزنوا مالا، ولا يورثوا تراثا، ولكن يورثون علما، وشرعا، وبلاغا للناس، فذلك ميراثهم، وهو خير تركة زاخرة، وهى العلم الكامل.

ولقد كان ثمة خلاف فى أرض «فدك» ذكرناه فى موضعه، ولم تكن فدك كما يصور التاريخ ملكا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل كان على حكم ملك اليتامى والمساكين والفقراء، وأبناء السبيل، يصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما يفيء إليه من غلاتها فى مصارفها، وكان لأهل البيت وذوى القربى حظ مقسوم، ولما جرى الخلاف بين سيدة نساء المؤمنين فاطمة الطاهرة بنت أطهر من أقلته الأرض، وأظلته السماء، لم يكن خلافا على الملكية، كما توهم عبارات المؤرخين، بل كان خلافا على إدارتها، وصرفها فى مصارفها، إذ كان فيها نفقات لأمهات المؤمنين، فيتولى ذوو القربى ما كان يتولاه هو عليه الصلاة والسلام، فعارض فى ذلك الصديق رضى الله عنه.

ثم كان من بعده أن وافق عمر رضى الله تعالى عليه، على أن تكون الإدارة بين العباس وعلى، على ما ذكرنا من قبل. وإن الميراث العظيم الذى تركه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شريعته، وهى محفوظة بحفظ القرآن الكريم إذ يقول سبحانه وتعالي: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>