للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ثالثهم: لئن كنت رسولا من الله، كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك، وإن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى أن أكلمك.

كان الرد كله تهكما واستهزاء، فرأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لا استجابة منهم، ويئس منهم وأنهم اشتروا الضلالة بالهدى.

وإذا كانوا غير مستجيبين لدعوة الله تعالى فإنه قد يكون فيهم مروءة. فرأى عليه الصلاة والسلام أن يخفوا مجيئه إليهم، وكره أن يبلغ قومه فيدثرهم أى يثيرهم، ولكنهم للؤمهم لم يخفوا أمره، بل أعلنوه، بل أغروا بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم سفهاءهم، وعبيدهم، يسبونه ويتصيحون به، حتى اجتمع الناس عليه.

وقد روى موسى بن عقبة أنه قعد له أهل الطائف صفين على طريقه، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، حتى أدموه، فمضى، وهما يسيلان دما» «١» .

عاد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من تلك الرحلة الشاقة لقوم لئام، لم يذوقوا معنى المروءة، ولم يعرفوا الكرامة الإنسانية فى أى صورة من الصور الادمية.

أشد البلاء ما يثير عطف العدو اللدود، وقد أثار ما فعل أولئك اللئام عطف ابنى ربيعة عتبة وشيبة اللذين اشتركا من قبل فى إيذاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. فقد كان لهما بستان قريب من الطائف، قد اوى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ظل شجرة من أشجاره.

لقد تحركت الرحم فى ابنى ربيعة، فبعثا غلاما لهما يقال له عداس بقطف من العنب للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ليتبلغ به، وذلك من الكرم القرشى.

[عداس والنبى صلى الله عليه وسلم:]

٢٨٩- كان عداس نصرانيا، فذهب بالقطف الذى كان فى طبق، وقدمه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فابتدأ صلى الله تعالى عليه وسلم أكله بقوله: «باسم الله» فنظر إليه عداس، وتفحص فى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

ومن أى البلاد أنت عداس وما دينك؟ قال: نصرانى، ومن أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى. فقال عداس: وما يدريك ما يونس بن متى!؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ذلك أخى، كان نبيا وأنا نبى.


(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>