٥٥٢- إن هذه الأشياء التى ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا يصح بيعها إلا بما يماثلها كيلا أو وزنا، كالقمح والشعير، والملح، والذهب والفضة، هى من الضروريات للحياة، ومنع بيعها إلا بمثلها، وأن تكون مقبوضة يدا بيد، إنما المنع لكيلا يكون التبادل محصورا فى المالكين لها فقط، فإنه إذا ساغ بيع البر بالبر ملاحظا فيه أن الجيد يكون فى مقابل ضعف الرديء وكذلك الشعير والتمر والملح، فإن التبادل فيها يكون مقصورا على الذين يملكونها دون غيرها، وقد يؤدى ذلك إلى أن يحرم منها من لا ينتجونها ولا يملكونها، وإن ذلك قد يؤدى إلى احتجازها عمن لا يملكون وهم مضطرون إليها، فيكون توزيع الإنتاج بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم.
وإن ذلك يمنع الاحتكار أو يسد ذرائعه، وتكون الأقوات متوافرة لدى الناس، إذ أن ملاكها يكونون مضطرين لأن يبيعوها، ولا يختزنوها طلبا لحاجاتهم.
وإن النقدين الذهب والفضة، كانا ولا يزال الذهب مقياس قيم الأشياء، وبهما تقوم المنافع فى الثمرات والأثواب والأقوات، وإذا اتخذ المقياس النقدى موضعا للاتجار اضطربت الموازين، واختلت المقاييس، وكانت الاضطرابات الاقتصادية، وحسبك ما تراه الآن وقت أن تحلل الناس من الذهب، واستبدلوا بها النقد الورقي، وقد اضطربت فيه العلاقات الاقتصادية، وصعب التعامل من ضعف الأوراق وقوتها مما صعب الاتجار، وتعذر جلب الأرزاق فى أرض الله، وتكدسها فى أرض أخرى. ولقد ادعى بعض الكتاب من الأوربيين أن حديث الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد، والفضة والبر والشعير، وغيرها من المطعومات قد وضعه اليهود على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليبعدوا العرب عن الاتجار، وتبقى التجارة فى أيديهم.
وذلك كلام لا تبرره الحقائق، للوجوه الآتية:
أولها: أن حديث بيوع الربا روته كل الصحاح، حتى كاد يخرج عن حد الأحاديث إلى ما يقرب من المتواتر، ومن المؤكد أنه مستفيض مشهور تلقته الأمة كلها بالقبول، والأحاديث المكذوبة لا يمكن أن يكون لها ذلك الوصف من الاستفاضة والشهرة.
ثانيها: أن هذا الحديث ثبت أنه طبق فى خيبر، وروى البخارى وغيره تطبيقه فى خيبر، وذلك فى الوقت الذى دكت فيه حصون اليهود دكا ولم يكن لهم قوة، ولم يكن لهم أمل إلا أن يكونوا زارعين يحرثون ويغرسون، ويصلحون النخيل، وسائر الأشجار، ولم يكن لهم قوة يستطيعون بها الاتجار، بل كانوا نتيجة الحرب أذلاء مستضعفين، وقد كانوا يريدون غير ذلك، فحيل بينهم وبين ما يشتهون.