ولنؤجل قصة أبى لبابة وتوبة الله تعالى عليه إلى ما بعد ما آل إليه أمر بنى قريظة الذى استحقوه عدلا وصدقا- فقد غدروا، ونقضوا الميثاق، وحاولوا آثمين إزالة دولة الإسلام، ولكن قضى الله أمرا كان مفعولا.
[نزولهم على حكم سعد بن معاذ:]
٤٧٤- نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وقد كان من الأوس من يطمع في أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سيجليهم عن المدينة، كما فعل مع بنى قينقاع، وبنى النضير، مع تفاوت الجرائم التى وقعت من هؤلاء، وأن الأولين لم يمالئوا على من جاؤا لاقتلاع الإسلام من المدينة كما فعل هؤلاء، والأولون لم يكونوا مقاتلين، بل كانوا غادرين ناقضين للميثاق فقط، فكان المنطق الاكتفاء بجلائهم، إذ لا يبقون من غير ميثاق محترم.
أما بنو قريظة فقد نقضوا وقاتلوا، وهاجموا بيت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فوجب أن يعاملوا معاملة مقاتلين، وبمثل ما عاملوا به المؤمنين، وبمثل ما كان ينتظر أن يعاملوا به المؤمنين، لو كان الأمر قد تم للأحزاب كما يريدون.
نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسى، وقد جيء به راكبا، إذ لم يكن يستطيع المسير للجرح الذى أصابه من السهم وأثبته، بل أثخنه، وبعض قومه من الأوس قالوا له مشفقين على بنى قريظة: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إنما ولاك لتحسن فيهم. فلما أكثروا عليه قال:«لقد آن بسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم» .
عند ما قابل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سعدا، التفت إلى أصحابه، وقال: قوموا إلى سيدكم، فقاموا إليه، وقال الأنصار: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ... ثم بعد كلام أصدر الحكم، وهذا نصه:
هذا هو الحكم، وقد أيده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله:«ولقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات» ، نفذ فيهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حكم معاذ وأثبت قبل التنفيذ أنه حكم الله تعالى فيهم، فقتل الرجال إلا بعضا قليلا أعطاهم بعض الصحابة أمانا ليد سابقة قدموها لهم.
وقسم أموالهم غنيمة بين المسلمين، وبها تبين تقسيم الغنائم، وسبى النساء.