للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بناء الكعبة:]

٣٣- وفى إحدى الزورات التقى الشاب بأبيه، فصنع كل منهما ما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد، على شوق بعد طول غياب، فقال الأب لولده الشاب: يا إسماعيل إن الله تعالى أمرنى بأمر.

قال الشاب: اصنع ما أمرك به ربك.

قال الشيخ: وتعيننى عليه؟

قال الشاب: وأعينك عليه.

قال الشيخ لابنه: فإن الله أمرنى أن أبنى ها هنا بيتا.

وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.

فعندئذ رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتى بالحجارة، وإبراهيم يا بني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بالحجر الأسود فوضعه، ليكون علامة ابتداء الطواف وانتهائه فى مراته.

وهذا ما بينه الله تعالى فى قوله تعالت كلماته: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «١» .

استقر بإبراهيم المطاف بأن بنى ذلك البيت، أول بيت وضع للناس، فشرفت البلاد العربية به، وشرفت بإبراهيم الذى جعلها تختار بناءه بأمر الله تعالي.

فإبراهيم إذا كان مولودا ببابل، وإن بيته أول بيت لله تعالى بناه بالبلاد العربية، فليست البلاد شريفة به وبابنه فقط، بل هى شريفة بأن ابنه أبو العرب المستعربة.

وإذا كان إبراهيم أبا الأنبياء حقا وصدقا، فإنه لم يبن بيتا بأمر الله تعالى إلا فى البلاد العربية، ولم يبن ذلك البيت بكنعان ولا ببابل ولا بغيرهما، فكانت الجزيرة العربية أرض النبوة الأولى حقا وصدقا. ولا غرابة فى أن يكون مبعث محمد عليه الصلاة والسلام فيها. إنما تكون الغرابة إن خرج نبته الطاهر من غيرها.


(١) سورة البقرة: ١٢٧- ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>