للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد قال بعض الذين لم يدخلوا فى الإسلام «ابنوا مسجدكم، واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإنى ذاهب إلى قيصر الروم، فاتى بجنده من الروم، فأخرج محمدا وأصحابه» .

وإن هذا المقصد السيئ واضح من أن البناء كان والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتجهز، يجمع الجموع للذهاب إلى تبوك، وقد كانوا يتوقعون ما يتمنون، وهو انهزام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وجيشه أمام الرومان، ولذلك دعا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اثنين من صحابته فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم فاهدماه واحرقاه، فخرجا مسرعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف فقال أحدهما لصاحبه، انظر حتى أخرج إليك بنار من أهلى، وهم بنو سالم بن عوف وذهب إلى أهله، فأتى بسعف من النخل، فأشعلا فيه نارا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، فتفرقوا عنه.

ولقد خيب الله ظنهم، فقد تخاذل الرومان عن أن يلتقوا مع جيش الإسلام، وذهب عنهم ما كانوا يتحدثون فيه من كلام منبعث من نفاقهم إذ جاء على لسانهم أن المسلمين لا يستطيعون جلاد الروم، فقد خاف الروم ولم يخف رجال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذين قدموا أنفسهم لله تعالي.

[الثلاثة الذين خلفوا]

٦٥٢- انقسم المؤمنون الذين دعاهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند الخروج إلى تبوك إلى ثلاثة أقسام:

وأول الأقسام وأظهرها، وهم قوة الإسلام الأولى، الذين شروا أنفسهم لله بأن لهم الجنة يقاتلون ويقتلون، وهم الذين تقدموا للذهاب مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم الذين قال الله تعالى فيهم لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة: ١١٧) .

والقسم الثانى: جماعة تخلفوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومنهم منافقون، ومنهم ضعفاء الإيمان، ومنهم من فيه خور، وضعف، وفى كل أحوالهم ليسوا من أقوياء الإيمان الذين يفدونه بأنفسهم وأموالهم، وراحتهم.

وأولئك اعتذروا وقبل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اعتذارهم، وبعضهم كاذب لا محالة، وقال فيهم سبحانه وتعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ، قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ، وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>