للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هجرة المستضعفين:]

٥١٨- وبعد أن فتح لمن يسلم بدار الشرك الباب للذهاب إلى المسلمين وألغى ذلك الشرط كان يحث النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذين يسلمون ألا يبقوا مستضعفين في أرض الشرك، بل عليهم أن يهاجروا، وإن ذلك مبدأ الإسلام أن يتجمع المسلمون، ولا يستمروا متفرقين في الأرض.

ومنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من إقامة المسلم بين المشركين ما دامت عنده قدرة على الخروج من بين ظهرانيهم، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تراءى نارهما. وقال: من حارب مع مشرك وسكن معه فهو مثله، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها. وقال: ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم بها.

وبذلك طلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من كل مستضعف أن يهاجر إلى حيث يتجمع المسلمون ما دام قادرا على ذلك، لأنه بهجرته إلى المسلمين يتحقق أمران.

أحدهما: أنه يخرج من حال استضعاف، وذلك بالخروج من ولاية الكفر أو الشرك إلى حيث العزة والمنعة وولاية المؤمنين فهم أهل ولاية الله وولاية الحق، وهى القوة وهى الأمن والقرار. ولقد أوجب القرآن الكريم ذلك فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً. وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (النساء- ٩٧، ١٠٠) .

وإن نصوص النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عامة، ونص القرآن الكريم ملزم لا مناص من تنفيذه.

الأمر الثانى: أن في الهجرة تجميع المسلمين، وفي الجماعة قوة ليست في الفرد. وإن ذلك أمكن للوحدة، وأحفظ لهيبة أهل الإسلام.

وإنه قد يعترض على جعل الهجرة بالانتقال من أرض الاستضعاف إلى حيث القوة الإسلامية مبدأ دائما ومطلوبا مستمرا. قد يعترض على ذلك بقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح» .

<<  <  ج: ص:  >  >>