للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتكبوا ذلك الإثم، ولا يقال إنه قد طبقت عليهم عقوبة لم تكن ثابتة وقت ارتكابهم ما حقت عليهم بسببها، وإن العقوبات تطبق على الحوادث اللاحقة ولا تطبق على الحوادث السابقة، كما يقرر علماء القانون الوضعى، وإن كان في ذلك القول نظر يوجب تمحيصه.

التنبيه الثانى: أن العقوبات في الإسلام تسير سيرا طرديا مع منازل المرتكبين، فتكبر العقوبة مع كبر المجرم، وتصغر مع صغره، لأن الجريمة مهانة، والمهانة تهون على الصغير، لأن نفسه مهينة في نظره، والمهانة من ذى المنزلة أمر كبير.

ولذلك جعل الإسلام العقوبة المقدرة على العبد نصفها إذا وقعت الجريمة على الحر، وقد قال تعالى في شأن الإماء فَإِذا أُحْصِنَّ، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ، فإذا كانت الحرة إذا زنت تجلد مائة، فإنه إذا زنت الأمة تجلد خمسين.

وكذلك الأمر بالنسبة للعبد، وكذلك الأمر بالنسبة لكل الحدود، لا فرق بين حد وحد، وكل ذلك في العقوبات القابلة للتنصيف.

ولقد أجمع الفقهاء على أنه يجب تخفيف ما على العبد بعد تنصيفه، فيكون السوط الذى يجلد به العبد أخف من سوط الحر.

[الحديبية]

٥٠٣- انتشر الإسلام في الصحراء العربية، تبعه من تبعه، وعلم بأمره الكثيرون، وكان من الأعراب مؤمنون كما كان منهم مسلمون، أعلنوا إسلامهم، وإن لم تؤمن قلوبهم، وكان منهم من استمر على شركه، ولكن صار في المسلمين قوة ولهم هيبة تجعل الذين بقوا على شركهم ينظرون إلى الدعوة للتوحيد، والإيمان بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم على أنها ذات مكانة جعلتهم يفكرون ويقدرون، ولا يكتفون بالرد بادى الرأى، والإنكار المطلق من غير تفكير ولا تدبر.

والقول الجملى أن الريب دخل قلوبهم من ناحية عبادة الأوثان، وهم يعلمون الله تعالى بذاته وصفاته، ولا شك أن ريبهم في أوثانهم هو الطريق لأن يدخلوا في دين الفطرة مؤمنين آمنين، صارت الدعوة الإسلامية تملأ الآفاق، ولم يعد أحد من الأعراب أو من لف لفهم يفكر في غزو المدينة فهى محروسة بحراسة الله تعالى، مصونة بكلاءة الله تعالى.

فإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أمن غزو الأعراب، أو أن يدخلوا في أحلاف مع أعدائه، فقد آن له أن يتجه إلى قريش الذين يناصبونه العداوة، لا ليقاتلهم، فهو لا يقاتل إلا دفاعا، كما رأينا في سراياه وغزواته السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>