للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ظواهر تعلن مكانته]

٧٩- تكريم الله تعالى له ظهر وهو جنين كما رأيت. وظهر وأمه حامل به، وكأن وجوده على ظاهر الأرض كان أمرا خارقا للعادة، فى بركته على قومه برد أصحاب الفيل وكيدهم فى تضليل، وفى الحمل به، إذ لم يصبها شيء من أعراض الحمل الشاقة، وكأنه مر فى قلبها مرور الماء فى الميزاب، وإن طال حتى مدة الحمل.

ثم كانت الأمور تسير سيرا يدل على أمور ربانية أكنها الغيب لذلك المولود الجديد.

فأبوه يلقى وديعة الله فى امنة الصبور المطمئنة، وما كان الزواج إلا ليلقى هذه الوديعة، ويعزب عنها مسافرا مغتربا، وقبضه الله تعالى بعد أن ألقى هذه الوديعة، وكأنه خلق بما يشبه كلمة الله تعالى «كن فيكون» «١» .

وينزل من بطن أمه مكتملا، كأنه تجاوز السنة، وهو قد نزل فى المهد، لم يتناوله حجر النساء، فأمه الصادقة تقول أنه وقع على الأرض معتمدا على يديه كما نقلنا، وهو فى هذا شبه الساجد، وقال بعضهم أنه نزل جاثيا على ركبتيه.

وعندما ولد أرسلت أمه الكريمة إلى جده عبد المطلب تبشره بولد قد رزقه، فقالت فى رسالتها:

«قد ولد لك غلام فأت فانظر إليه» . وقد أضافته إليه مسرية له عن حزنه لموت ولده عبد الله الذى وجد عليه وجدا شديدا، فلما جاءها أخبرته بالولادة، وبرؤية صادقة تعددت روايتها مما يدل على مكانته، وبذلك سرّت عن نفس حميها، وهى الحزينة، ولكنها الصبور التى تواسى غيرها فى مصاب أبيه، ومصابها، وإن كان أعظم وأشق احتمالا ولكنه الان قد يسهل احتماله إذ وجد ما يعوض، وهو المولود الذى يسمو على كل الخليقة، وهو سيدها، وهو محمود الوجود، وهو حمد الكون وتسبيحه، وإذا كان الله تعالى قد أعطى به البركة على قومه، فقد كانت إرهاصات التكريم تبدو وهو جنين أيضا فى بطن أمه. لقد رأت أمه فيما يرى النائم رؤيا صادقة، والرؤيا إلهام من الله تعالى، أو توجيه منه سبحانه يشعر بها من تصفو نفسه، وله اتجاه روحى، ورأت حين حملت به كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وقد ورد ذلك فى حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صحيح النسبة.

قد ذكر ابن إسحاق أن كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به فقيل لها: «إنك حملت بسيد هذه الأمة، فاذا وقع إلى الأرض فقولى:

أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد «٢»

ثم سميه محمدا..


(١) سورة البقرة: ١١٧.
(٢) البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>