تعالى عليه وسلم قال: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، وقال بعض الحاضرين من المشركين: قد أجزناه لك، ولكن سهيلا هو وليه.
قال أبو جندل: أى معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون إلى ما قد لقيت. وقد جاء في رواية ابن إسحاق أنه وثب عمر بن الخطاب مع أبى جندل يمشى إلى جانبه، ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدنى قائم السيف منه، ويقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه، وذهبت القضية.
والنبى يمضى في عقده، مع ما أثاره في نفسه ونفوس المؤمنين مجيء أبى جندل يوسف في قيوده، وقال لأبى جندل: اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم.
مع تلك الكلمات التى تلقى بروح الصبر والاطمئنان في قلب أبى جندل كانت الثائرة تغلى في قلوب المسلمين، ولكن لا يتكلمون احتراما لمقام العهد، ولأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال إنه لا يخالف أمر ربه، ولكن الفاروق ثار بالقول مرة أخري، يقول: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل، قال: بلى: قال: فلم نعطى الدنية في ديننا إذن، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطيها وهو ناصرى.
قال عمر: أولست كنت تحدثنا أننا سنأتى البيت فنطوف به، قال: بلي، أفأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟ فإنك آتيه ومطوف به. وهذه رواية البخاري، وقد جمعنا بينها وبين رواية ابن إسحاق، فقدرنا أن عمر قالها مرتين وهو مظهر غضب المؤمنين مع طاعتهم ورضاهم بما حكم صلى الله تعالى عليه وسلم استجابة لأمر ربه.
[التحلل من الإحرام:]
٥١٢- كان لا بد أن يتحلل المسلمون من إحرامهم، على أن يؤدوا عمرة في عام آخر، وذلك بأن يقصروا شعرهم أو يحلقوه، وقد دعاهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحلقوا رؤسهم وينحروا، وابتدأ هو فحلق، وحلقوا وقصروا من بعده، وهذه رواية ابن إسحاق بسنده.
ولكن روى في البخارى أنه قال لأصحابه رضى الله عنهم لأنهم جميعا أهل بيعة الرضوان، قال لهم: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات.