للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إرضاعه صلى الله تعالى عليه وسلم]

٨٥- الغذاء الأول للجنين بعد ولادته هو الرضاعة، والرضاعة تكون من الأم، لأن لبنها يسير مع نموه سيرا مطردا، فكلما كبر الغلام فى المهد كبرت دسامة اللبن، حتى يستغنى بالغذاء، ولذلك كانت الرضاعة من الأم أولى المطلوبات من الأمومة، فقد قال تعالى فيما شرع من أحكام: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ «١» فكان بمقتضى الفطرة أن تكون امنة الأم الرؤم هى التى تتولى إرضاعه. ولكن كان لابد من وجود من يعينها بلبنه، فقد أرضعته معها ثوبية وهى جارية لأبى لهب عم النبى صلّى الله عليه وسلّم، وقد ناوأه العداوة لما بعث رسولا ورحمة للعالمين، ولكن قد كان محبا لأخيه عبد الله، ولابنه النبى الكريم محمد، وكانت ثوبية أول من أعلم أبا لهب بولادة ابن أخيه محمد، فأعتقها لهذه البشرى الكريمة، وكان هذا له خيرا يحتسب، ولكن أخفاه كفره، وانضمامه إلى المخالفين المؤذين للنبى عليه الصلاة والسلام، وضعفاء المؤمنين.

أعانت ثوبية امنة فى إرضاعه، وقد أرضعت أيضا حمزة بن عبد المطلب، وقد كان هذا سببا من الأسباب التى من أجلها طلب عبد المطلب لمحمد المراضع.

وعلى ذلك نقول إن طلب المرضع للنبى عليه الصلاة والسلام من مراضع البادية له أسباب ثلاثة:

أولها: عدم كفاية لبن أمه لتغذيته، ولعل من بعض أسباب ذلك ما نالها من حزن دفين عميق صبرت عليه من غير تصبر، وهو موت زوجها الحبيب الطيب، ولم يزله ألم قريش كلها لوفاته وأ لم أبيه وأ لم إخوته، وإن خففته فإن المشاركة فى الأسى تخففه ولا تزيله.

ثانيها: أنه كان من عادة أشراف قريش أن يعطوا أولادهم للمراضع فى البادية، ولا يرضع نساؤهم، كما هو ظاهر الان في كبراء الحضر أو ذوو اليسار فيهم، فإنه لا يرضع نساؤهم الأولاد، وإن كانوا لا يرسلونهم إلى الريف.

ثالثها: أن الغلمان إذا رضعوا فى البادية اكتسبوا غذاء طيبا، وهواء ليس معكرا بما فى جو المدر، فأهل الوبر أقرب إلى الهواء النقى النظيف من أهل المدر.


(١) سورة البقرة: ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>