أولهما- أن يكونوا قد قاموا بما يكسبهم القوت، ولا يعيشون كلا على غيرهم فليس ذلك من مكارم الأخلاق فى الإسلام.
ثانيهما- أن نفرض التعاون الكامل بينهم، يعين غنيهم فقيرهم، والقادر منهم العاجز، وإذا كانت المؤاخاة قد نظمت العلاقات بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج بما فعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. فإن التعاون أو المؤاخاة الطبيعية فرضت نفسها فى أرض الحبشة بحكم الاغتراب أولا، وبحكم الحاجة إليه ثانيا، وبحكم الخلق الإسلامى الذى يوجب التراحم والتعاطف ثالثا، وقد كان التعاطف امتدادا لما كان فى مكة من حماية ضعفاء المسلمين من أقويائهم، كما يفعل أبو بكر من شراء العبيد المسلمين وإعتاقهم من غير منّ ولا أذى.
[خديعة:]
٢٦٥- خديعة أو انخداع على حسب تقدير الأسباب.
لقد فشل الرسولان اللذان ذهبا إلى النجاشى ليحرضاه بالهدية الراشية، وبالقول المعسول، وبالإيقاع المفسد فى أن يحملاه على إخراج من حلوا فى داره، واستظلوا بعدالته، وخرجا مذمومين مدحورين.
ولكن أحدهما عمرو بن العاص داهية قريش وماكرها، أشاع الشائعات بأن قريشا امنت بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن هذه الشائعات تجاوبت أصداؤها، حتى وصلت إلى المؤمنين فى هجرتهم بالحبشة، فاطمأن إلى صدقها بعض المهاجرين، وطاهر القلب ينخدع، وقد خدع إبليس من قبل أبانا ادم الطاهر.
عاد من عاد منهم حاسبين صدق الشائعة، وكانت عدتهم نحو ثلاثة وثلاثين، ولكنهم ما إن شارفوا مكة حتى وجدوا الأذى والاستهزاء والسخرية تستقبلهم، فمنهم من دخل فى جوار بعض كبراء المشركين، ومنهم من استقبل الأذى صابرا، ومنهم من حسبه ذوو قرابته.
واستطاع الماكرون بذلك أن يعيدوا بعض المهاجرين إليهم ليتحكموا فيهم، ولكن لم تتم بغيتهم، لأنه بقيت الكثرة فى أرض الحبشة لم تغتر بهذه الشائعة الكاذبة التى دفعتها فرية خبيثة ماكرة.
وقد يقول قائل: هل لك من سند يؤيد فرض الشائعة، وخصوصا أنه تذكر أسباب لهذه الشائعة غير ما ذكرت وبينت، وهى قصة المشركين مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما مجد اللات والعزى كما يزعمون وكما جاء فى صحيح البخارى.