للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإذعان والإيمان:]

٦٧٤- هنا مسألة يثيرها ابن القيم حول وفد نجران، فقد كان منهم من يعلن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه النبى المبشر به فى التوراة والإنجيل، ولكنه لا يستجيب لداعى الإسلام بالانقياد والإذعان والرضا بحكم القرآن الكريم وإعلان الطاعة، ويقول إن ذلك الإذعان لخوف أن يقتله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. فيقرر ابن القيم أن ذلك لا يعد قد دخل فى الإسلام أو وصف الإيمان، لأن الإيمان ليس هو مجرد المعرفة، بل الإيمان معرفة وتصديق، وإذعان، فإذا لم تكن هذه الأوصاف مجتمعة لا يكون ثمة إيمان. لأن الانقياد والإذعان غير قائمين.

وإن ذلك كلام حق، لأنه لا بد أن يدخل فى ولاء المسلمين، وينضم إلى جماعته، وتكون ولايته للمؤمنين ولله كما قال تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا.

ونرى الإذعان قسمان: إذعان قلبى، ويكتفى به إذا كان ما يمنع من إظهاره خوف إتلافه كخوف من عدو قاهر، أو إخفائه لكى يجذب الناس إلى ما اعتنق من دين بتشكيكهم فيما يعتقدون من باطل، وقد أجاز النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك لبعض وفد ثقيف، فإن الإيمان الحقيقى قائم فى معناه وهؤلاء يؤدون الفرائض، ويكتفى منهم بذلك ولا يطلب خوفا من الإذعان العلنى، فالتصديق قائم والإذعان قائم.

والقسم الثانى: يوجد فيه معرفة كمعرفة بعض المشركين، وأثر هذه المعرفة تصديق لسانى يظهرونه كأولئك الذين قالوا لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم نعرف أنك النبى، ولكن لا نسلم، لأننا نخشى أن يقتلك اليهود، فأولئك وإن عرفوا لا يؤمنون، بل يكفرون.

[قدوم وفد بنى سعد بن بكر]

٦٧٥- هذا الوفد كان رجلا واحدا جاء مسلما معلنا إسلامه عندما علم بأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ودعوته، وانتشرت الدعوة، وصار لكلمة الله السلطان، وتجاوبت بها الركبان، فجاء يستوثق من الأمر من صاحب الدعوة الحق، ولقد قال ابن إسحاق بسنده: بعثت بنو بكر، ضمام بن ثعلبة وافدا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأناخ بعيره على باب المسجد وعقله ثم دخل وهو لا يعرف شخص محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال فى جفوة من لا يعرف: أيكم ابن عبد المطلب؟ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب، وكانت المجاوبة على الوجه الآتى:

<<  <  ج: ص:  >  >>