للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما يتعلق بالمعاملات العامة كالبيوع والإجارات وغيرها فإن القضاء فيها لا يكون إلا للقاضى المسلم لتحقيق المساواة الكاملة بينهم وبين المسلمين.

ومسألة جواز أن يشربوا الخمر ويأكلوا الخنزير، هى رأى أبى حنيفة وحده، لأنا أمرنا أن نتركهم وما يدينون، ولأن عمر بن عبد العزيز الحاكم العادل سأل الحسن البصري: ما بالنا تركنا أهل الذمة يأكلون الخنزير ويشربون الخمر، وينكحون بناتهم؟ قال الحسن البصرى: على هذا أخذنا الجزية إنما أنت متبع لا مبتدع.

ولكن الجمهور الأعظم من الفقهاء منعوا ذلك- وذلك لأن لهم مالنا وعليهم ما علينا.

والحمد لله.

[الفتح المبين]

٥٨٨- هو فتح مكة المكرمة فى شهر رمضان حيث ابتدأ السير إليها فى العاشر منه، ووصل إليها فى الليلة الثالثة عشرة منه، وهو لم يكن فتح قتال، بل كان فتح قلوب، وأوسع فتح للدعوة إلى الإسلام فما كان قتل وقتال إلا خطأ، ومن غير تدبير وتعمد من الصحابة الأولين، بل كان أمنا وسلاما، وتلاقى قلوب قد فرق بينها الجحود، واستضعاف الضعفاء، ومقاومة الإيمان فلما دخل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة، وهو يقول أنا نبى المرحمة وأنا نبى الملحمة ألقى إليهم السلام والإكرام، وتلاقت العشائر التى تخاصمت ثم تهادنت، ثم سالمت ثم آمنت وإن هذا بلا شك كان نهاية الفتح، ولم يكن فى الظاهر ابتداءه، بل كان الظاهر هو إرادة القتال، إذ جاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى عشرة آلاف من المجاهدين، وما كانوا هازلين، بل كانوا جادين، ولكن عند التلاقى غمدت السيوف عن القتل، وفتحت القلوب للدخول فى دين الله أفواجا أفواجا.

ولذا كان السؤال: لم كان القتال؟، وقد كان عهد لا ينقض إلا بسبب من التزامات هذا العقد، وما كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينقض إلا بأسباب منه لأن الله تعالى يقول فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (التوبة: ٧) ولم يستقيموا، فكان هذا خيانة، فكان عليه أن يعمل بقول الله تعالى، وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (الأنفال- ٨٥) ، ولم يكن ثمة خوف خيانة، بل خيانة بالفعل فى جزء من العقد.

والعقد كل يكمل بعضه بعضا، فإذا دخل الغدر جزآ منه، فقد دخل النقض كله، وفقد الالتزام من الجانب الآخر كل إلزام به، إذ نقض الأول جزآ منه يبطله، ولو كان العهد يبقى ملزما، مع نقض جزئه، لتوالى النقض على كل أجزائه، فلا يبقى للعقد معنى ولا صورة، ويذهب هباء منثورا، وتتبدد أوراقه فى أدراج الرياح.

<<  <  ج: ص:  >  >>